شمخ بذخ.. وضح رجح.. حلم علم.. " وهكذا، وبهذه الفواتح المزدوجة قيد الذين ردوا عليه واضطرهم إلى تناولها واحدة اثر واحدة. ومهما يكن من شيء فان السياق العام في هذه الرسالة يجعلها غريبة الوقع والموسيقى بالنسبة للنثر الأندلسي قي ذلك العصر.
ولما رد عليه ابن الدودين البلنسي، افتتح رسالته بالسباب فقال: خسأ أيها الجهول المارق، والمرذول المنافق، اين امك، ثكلتك أمك وما علمت انك سحبت من عقالك لعقالك، وقدمت أول قدمك، لسفك دمك، وبسطت مكفوف كفك لسلطان حتفك؟. " ويرى ابن الدودين أن غرسية لا يستحق الصلب، ويأسى على انه ليس في حضرته اقيال ورجال ذوو حمية ليعاقبوه على ما تورط فيه " لكنك بين همج هامج ورعاع مائج " ويهدده بأنه سيعيد عليه فسحة الأرض العريضة ضيقة، ويرده إلى قومه وهو محلوق القفا محتزم بالزنار.
ثم يأخذ في توجيه الأوصاف التي اسبغها ابن غرسية على قومه وصرفها عن مواضعها، فان كان قال فيهم:" رجح وضح " قال له ابن الدودين: " رجح الاكفال، وضح كذوات ربات الحجال "؟ وان قال:" علم حلم " وجه ابن الدودين هذا بقوله: " علم بالتداوي من القرم ومنافع القلم، حلم عن كل مجاوز الحلم ". ثم يذمهم بعدم الغيرة وإباحة الفروج، ويرد إليه المعايب التي الصقها بالعرب واحدة بعد واحدة. فإذا قال أن العرب حاكة برود اتهمه بأن قومه هم كذلك:" فناهيك من الغفارة الإفرنجية إلى الديباجة الرومية والنسبتان بذلك تشهدان "؛ وإذا عير العرب بسوء المطعم نفى ذلك وأردفه بقوله:" على ان لا افتخار في مشرب ولا في مطعم لعرب ولا لعجم ". وحتى يأخذ مأخذ الأنصاف يقر لهم بعلم الطبائع وينكر عليهم علم