للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المعتضد المشير بكتابتها - أو غيره ممن خدمهم هذا الكاتب بقلمه - أول من لم يحرك ساكنا في سبيل بريشتر، وإنما كان التنبيه سياسة المبادر للخروج من حيز الملامة، ثم تطوي الأيام كل فورة وتحيلها إلى همود، وتتجدد النكبات، فلا تذكر الوحدة والائتلاف والحذر من الخطر إلا عند الأزمات، وتتلاشى الأصداء كأنها لم تكن. وحين كانت مشكلة كنكبة بربشتر تدخل نطاق التداعي " الرسمي "، فقد دخلت منطقة اللؤم والمخادعة وتربص الواحد بالآخر، والتستر وراء الكلمات الغرارة.

ولأبي عبد الرحمن بن طاهر في هذه الحادثة نفسها رسالة يرد فيها على من كتب له يذكر ما جرى على بربشتر (١) :

" ورد كتابك بالخطب الأبقع، والحادث الأشنع، الجاري على المسلمين، نصر الله مقامهم. وجمع على الائتلاف مذاهبهم، في بربشتر، وكان صدرا في القلاع المنيفة، وعينا من عيون المدائن الموصوفة، إلى ما سبق قبل في القلعة القلهرية وغيرها من مهمات الدور والمعاقل، وخطيرات الحصون والمنازل، فأطارت الألباب، وطأطأت الرقاب، وصرم الأمل والهمم، وأسلم من المذلة والقلة إلى ما قصم، وأنك رأيت الحال في معرض جلائها للنواظر عيانا، ووصل بينها وبين الخواطر أسبابا واشطانا، فما شئت من دمع مسفوح مراق، ونفس مترددة بين لهاة وتراق، وأسى قد قرع حصيات القلوب فرفضها، وعدل عن مضاجع بالجنوب فأقضها؟ ".

وإنما أورد هذه الأمثلة لأقدم صورة عن ما أحدثته نكبة بربشتر من امتداد في الصدى والأثر، وذلك أنها كانت من أولى النكبات، فكان استعثار الخطر من جرائها كثيرا، هذا على أنها قد تكون حادثة صغيرة


(١) الذخيرة - القسم الثالث (المخطوط) : ٢٨.

<<  <   >  >>