أما الكارثة الثانية فهي سقوط طليطلة (٤٧٨) وهي من حيث نتائجها اعظم خطرا من سابقتها بكثير، وبها يرتبط التحول الخطير الذي تم في التاريخ الأندلسي فأدى إلى دخول المرابطين ثم إلى سقوط دول الطوائف واندثارها. وفي هذه الكارثة نعود فنسمع مرة أخرى صوت ابن العسال الزاهد، فطليطلة بلدة ومسقط رأسه ومنها أخرج عندما استولى عليها الروم، ولكن صوته في هذه المرة غريب اجش في الأسماع، لأنه بدلا من أن يبكي على ما حل ببلده، يحذر الأندلسيين من الإقامة في بلدهم ويدق لهم ناقوس الخطر، ويقول لهم: الرحيل الرحيل:
يا أهل أندلس حثوا مطيكم ... فما المقام بها من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى ... ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
ونحن بين عدو لا يفارقنا ... كيف الحياة مع الحيات في سفط ولو كنا نحاسب ابن العسال حسب ظاهر كلامه لقلنا انه قد آثر موقفا انهزاميا، ودعا فيه قومه إلى الجلاء عن أوطانهم لأن طليطلة سقطت وهي في وسط البلاد، والثوب إذا نسل من وسطه فقد انتهى امره، ولكن هذا اللون السلبي من التعبير عن الحقيقة كان يومئذ مبالغة في التنبيه والتذكير.
وقد احتفظ لنا المقري صاحب النفح بقصيدة طويلة (٧٢ بيتا) لشاعر لم يذكر اسمه يندب فيها طليطلة: