للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فان استقراء الأشياء في وضعها الطبيعي قد يرده وينقصه، ذلك أننا إذا سلمنا بأن الموشح إنما نشأ حول مركز " عامي " أو " أعجمي " فيجب أن نفترض أيضا أن هذا المركز " العامي " إنما كان في الغالب جزءا من أغنية عربية (بلغة العامة) ، وان المركز الأعجمي إنما كان في الغالب جزءا من أغنية أعجمية (باللغة الأسبانية القديمة) . ومعنى هذا ان الأغنية العامية والأغنية العجمية؟ والثانية منهما على وجه التأكيد - وجدنا قبل قيام رجل جريء يدير المنظومة الفصحى على مركز يمثل إحداهما. وتقتضي طبيعة الأشياء ان يكون نشوة الأغنية العامية (بالعربية) سابقا على الموشحة لأن تقليد الأغاني الأعجمية؟ بسياق عامي - اسهل، إذ التسكين في الكلمات المنطوقة بالعامية يحيل النغمة والإيقاع عن الوزن العروضي في الشعر الفصيح ويجعلهما قريبي الشبه بالنغمة في اللغات الأوربية غير المعربة أو القليلة الإعراب. فالزجل بمعناه العام نشأ أولا تقليدا لأغاني السكان الأصليين وبخاصة حين اختلط الفريقان في المدن واشتركوا في إقامة الأعراس والحفلات واحتاجوا الأغاني الشعبية التي يرددونها في تلك الحفلات وفي مواسم العصير وأيام القطاف. ثم جاءت الخطوة التالية وهي محاولة للتقريب بين الشعر المنظوم باللغة الفصحى وبين تلك الأغاني الشعبية التي أصبح النساء والصبيان وطبقات أهل الحرف والعمال يرددونها باللغة الدارجة العربية، دون أن يصفوها تماما من الألفاظ الأعجمية التي اقتبسوها من جيرانهم ومخالطيهم، ودرجت على ألسنتهم فأصبحت جزءا من لغتهم. ولم يكن لهذا الزجل أرباب مميزون بأسمائهم، لأنه كان وليد الجماعة الشعبية، فلم يكن ينسب لهذا الناظم أو ذاك، وهذا شيء نألفه في أغاني الريف وبعض أغاني الحضر التي يرددها الناس دون ان يهمهم كيف نشأت ومن هو الذي أنشأها. وكان هناك خط فاصل بين هذه الحركة

<<  <   >  >>