للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البربر بعد الفتنة على مناطق واسعة أخرج أهل تلك المناطق وأزاحهم عن ملكيتها (١) . كما أن استبداد الجند بالأمور واطلاق أيديهم بالتصرف جعلهم يتجاوزون كل الحدود " حتى فشا في المواشي ما ترون من الغارات وثمار الزيتون وما تشاهدون من استيلاء البربر والمتغلبين على ما بأيديهم، إلا القليل التافه " (٢) وهذه الحال من فقدان الأمن والأطمئنان تضطر المضطهدين إلى الهجرة والنزوح.

وفي هذا الجو المتقلب المتموج برزن شخصية الرجل القلق المغامر الذي يتجول من بلد إلى بلد عارضا مهارته على من يقدرها حق قدرها، يستوي في هذا مختلف ذوي المهارات المطلوبة من جندي وكاتب وشاعر ومعماري وصاحب أي حرفة أخرى، ولم يكن اختلاف الدين حاجزا في هذه الأمور فكان السيد القنبيطور يخدم المصلحة، فتارة يحارب من أجل امير مسلم وتارة من أجل أمير نصراني؛ ولما سقطت طليطلة في يد النصارى حلق الفقيه أبو القاسم بن الخياط وسط رأسه وشد الزنار وأخذ يعمل كاتبا عند الأذفونش (٣) وهذا وان كان الغاية الشاذة في إيثار المصلحة الفردية فان له بعض الدلالة العميقة على شيء من التهاون في المقايس العامة اذا هي تعارضت مع مصلحة الفرد. وانموذج هذه الشخصية من الجانب الاسلامي - في مقابل القنبيطور - شخصية الشاعر ابن عمار، فقد نشأ فقيؤا محروما، ولكنه كان مشربا بالطموح، انتهازيا، مكيافلليا مستعدا لأن يركب إلى غايته كل واسطة، مؤمنا بالصداقة بمقدار ما تبلغه أهدافه، حتى قال فيه احد


(١) الرد على ابن التغريلة: ١٧٦.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المغرب ٢: ٢٢.

<<  <   >  >>