بينهما صورة مضطربة لأمراء نسميهم " ملوك الطوائف "، يتفاوتون فيما بينهم قوة وضعفا وبقاء وزوالا، كما تتفاوت أحجار الشطرنج على الرقعة، في حرية الحركة وفي مدى البقاء والقدرة على الثبات. ومن أجل ذلك لم نعد الفتح المرابطي وسيادة المرابطين عصرا جديدا في تاريخ الأندلس الأدبي، لأنه على الرغم مما أحدثه الفتح من تغيرات في النفسية الأندلسية وفي بعض الأوضاع السياسية والاجتماعية فان الأندلس من الوجهة الثقافية والأدبية قهرت فاتحيها كما قهرت يونان من تغلبوا عليها ذات يوم. ومما كان الفتح المرابطي إلا تحقيقا لفعل القوة الضاغطة الآتية من الجنوب وقد يكون مركز الثقل الأدبي قد انتقل أحيانا إلى مراكش ولكن اكثر القائمين بذلك النشاط الأدبي كانوا يومئذ من الأندلسيين.
- ٢ -
ولم يتشبث الأندلسيون بعيد الفتنة، طويلا، بالرمز الذي تأوي إليه الجماعة الإسلامية، أعني اسم الخلافة ورسمها، على ما كانت حال المشارقة، ولكن بني المنتسبين إلى العلوية حاولوا ان تكون لهم امرة المؤمنين، كما فعل الفاطميون بمصر. وكان من ذلك أعلن صاحب اشبيلية القاضي ابن عباد أن الخليفة هشاما المؤيد (آخر خليفة ذي بيعة من الأمويين) ما زال على قيد الحياة، إذ عمد إلى شخص يدعى " خلف " الحصري شبيها بهشام فدعا الناس إلى بيعته من وراء حجاب - رجاء ان يستمد من وجود الخلافة في اشبيلية سندا معنويا لنفسه. ولكنه