للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد سنوات استنفذ مآبه من هذه الإشاعة فأعلن أن هشاما قد مات، المزعوم نهاية للرمز المقدس. وتلك " اخلوقة لم يقع في الدهر مثلها " كما يقول ابن حزم (١) .

والحق أن سياق الأحداث بعيد الفتنة مباشرة كان محيرا لذي الوعي المتيقظ، سواء أكان الرجل الواعي فقيها أو شاعرا، أما الفقيه الذي نقدر فيه الوعي، مثل ابن حزم، فقد أقضت مضجعه الحال التي صارت إليها الأندلس دون إمامة، وظل يحس انه بعيد عن التعاطف مع تلك الإمارات المتنابذة، إلا لم يلبث ان انصرف إلى حومة الفقه والمطارحات الجدلية، وقد تكيف وعيه بحسب المشكلات الصغيرة التي تعرض بين الحين والحين، وأعرض عن التفكير في المشكلة الكبرى، مشكلة الوحدة والرابطة القوية.

وأما المؤرخ الواعي الذي يمثله ابن حيان فأصابه الذهول لما أصاب البلاد من تفكك وما دهم قرطبة " عاصمة الخلافة " من تخريب، ولكنه بعد وقت غير طويل أمسك بالقلم ثانية ليكتب؟ نزولا على الأمر الواقع - تاريخ تلك الممالك نفسها. " وأنسأتني المدة أن لحقت بيدي منبعث هذه البربرية الشنعاء المدلهمة، المفرقة للجماعة، الهادمة للمملكة المؤثلة، المغربة الشأو على جميع ما مضى من الفتن الإسلامية، ففاضت أهوالها تعاظما أولهني عن تقييدها، ووهمني ان لا مخلص منها، فعطلت التاريخ إلى ان خلا صدر منها.. (٢) " ثم جرى القلم بعد احتباس وعاد المؤرخ سيرته الأولى، بل عاد يكتب، ليقدم ما يكتبه إلى " أكرم خاطب، وأسنى ذي همة، الأمير المؤثل الإمارة المأمون ذي


(١) نقط العروس: ٨٣.
(٢) الذخيرة ١/١ ٨٧.

<<  <   >  >>