أو الجمهورية المثالية، وانما يحاول أن يوجد للإنسان الفكر وضعا في الدولة المضطربة، فيرى أن يكون متوحدا، أي يعيش في بيئته، وكأنه بانقطاعه للتأمل لا يعيش فيها، فالمتوحد هو الذي سماه المتصوفة باسم " الغريب " لأنه قد سافر بفكره إلى مرتبة اخرى هي له كالوطن (١) .
وقد يقال على نحو من اليقين ان ابن باجة يتأثر أفلاطون في جمهوريته والفارابي في مدينته الفاضلة، ولكن إشارات عابرة إلى الوضع السياسي في زمنه، في كتابه " تدبير المتوحد " تدل على الملاءمة بين هذا التجريد الفكري والواقع. ومن العجيب، وتلك حال المجتمع من الفوضى يومئذ، أن ينتهي ابن باجة إلى القول:" وكل ما يوجد للإنسان بالصبع ويختص به من الأفعال فهي باختيار؟ والأفعال الإنسانية الخاصة به هي ما تكون باختيار ".
واذا استثنينا كتاب النبات وجدنا أن تدبير المتوحد واتصال العقل ورسالة الوداع وكتاب النفس تنحو منهج متكامل في النظرة الفلسفية. فسعادة الفرد وكماله هما محور رسالة الوداع، التي وجهها إلى تلميذه علي بن الامام السرقسطي حين أزمع الرحلة إلى المشرق ليبين له كيف يكون الفرد " كاملا كماله الذي يخصه " وذلك باقترابه من منزله العقل " أحب الموجدودات إلى اللع عز وجل ". وفي رسالة اتصال العقل تتمة لهذه الفكرة إذ يحاول أن يثبت في هذه الرسالة، كما يقول الاستاذ آسن بلاسيوس: " أن العقل الانساني، وأن كان مجرد قوة، أو استعداد لتقبيل المعقولات، إذا أتحد بالمعقولات يصير صورة الصور، كما هو الحال في العقل الفعال،
(١) تدبير المتوحد في jras " " ١٩٤٥ ": ٦٨، ومقالة روزنتال في ic " ١٩٥٢ ": ١٩١ وما بعدها.