للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما قرىء عليه هذان البيتان قال للقارىء: يطلب منا جواري سودا وبيضا؟ قال: لا يا مولانا، ما أراد إلا أن ليلة كان بقرب أمير المسلمين نهارا، لأن ليالي السرور بيض، فعاد نهاره ببعده ليلا لأن ليالي الحزن ليال سود. فقال: والله جيد، اكتب له في جوابه إن دموعنا تجري عليه، ورؤوسنا توجعنا من بعده " (١) .

تلك هي الصورة التي رسمها الشقندي لحال المرابطين، وليوسف ابن تاشفين خاصة؟ من حيث علاقتهم بالشعر وتقديره وتذوقه. ونحن نعلم أن الشقندي يكتب رسالته ليفخر بالاندلس على بر العدوة - موطن المرابطين الأصلي؟ وفي موقف المفاخرة والمباهاة تهجين وتزيين، والأمر لا يعدو أن يكون نادرة تقال على سبيل الضحك والتسلية. لأن ابن تاشفين لم يكن يحسن العربية. وما من شك في أن أهل المغرب كانوا أقل حضارة وأقل نصيبا من تقدير الشعر من أهل الأندلس ولكن هذه الاخبار تدل على نقمة الأندلسيين على المرابطين باكثر مما تدل على تغير في حال الادباء والشعراء يومئذ، فالشعراء الذين ادركوا عصر المرابطين هم الشعراء الذين كانوا في ظلال امراء الطوائف. ثم إذا كان هذا القول يصدق على يوسف بنتاشفين فأنه لا يصدق على من جاءوا بعده أو على امراء المغاربة الذين عاشوا في الأندلس وتشبهوا بالأندلس في تقريب الشعراء والادباء. والحق هنا في ما قاله الاستاذ غومس: " بيد ان الشعر الاندلسي لم يمت في عصر المرابطين وكل ما حدث انه كيف نفسه بما يلائم الظروف الجديدة التي احاطت به. بيد انه من الانصاف ان تقرر ان خلفاء يوسف بن تاشفين لم يلبثوا ان استسلموا لسلطان الثقافة الاندلسية القاهر واصبحوا اقرب إلى الاندلسين منهم إلى الأفارقة فحفلت


(١) النفح ٤: ١٨١ ونقل النص الأستاذ غرسيه غومس في كتابه الشعر الأندلسي: ٢٦ - ٢٧.

<<  <   >  >>