والرحلة كما وصفها صاحب المطرب تتلخص في ان الغزال ذهب مع جماعة لم تذكر منهم المصادر الا واحدا هو يحيى بن حبيب، وهيأت له رحلته تجارب جديدة في الحياة، واستخرجت كثيرا من الشعر، ففي البحر قابلته العواصف، فوصفها الغزال ووصف تعلقهم بين الحياة والموت، وقدم لذلك بمطلع غزلي ثم قال:
قال لي يحيى وصرنا ... بين موج كالجبال
وتولتنا رياح ... من دبور وشمال
شقت القلعين وانبتت ... عرى تلك الجبال
وتمطى ملك المو ... ت إلينا عن حيال
فرأينا الموت رأي العين ... حالا بعد حال
لم يكن للقوم فينا ... يا صديقي رأس مال وفي هذه القطعة التحليلية الرقيقة تجد الغزال لا يزال في أشد حالات الكرب تشف نفسه عن الفكاهة العذبة في قوله:" لم يكن للقوم فينا يا صديقي رأس مال "، وعرفته هذه الرحلات على بلاد غريبة وناس غرباء وعادات يراها لأول مرة، والحكايات التي تروى في هذه الرحلة ليست كلها من نسج الخيال وبخاصة رفض الغزال أن يسجد لملك المجوس، ثم إعجاب ملك المجوس برأيه وحكمته، ومجادلته للعلماء والحكماء هنالك، ألا أن العنصر النسائي غالب على قصص تلك الرحلة، وافتتان الغزال بزوجة الملك واسمها تود أو نود (١) - تصنعا لا حقيقة - يدل على دهائه في التقرب إلى القلوب، وإجادته السفارة السياسية، وقد سئل الغزال هل كانت الملكة من الجمال بالقدر الذي أطنبت فيه فقال لمحدثه تمام بن علقمة نفسه:" وأبيك لقد كان فيها حلاوة ولكني اجتلبت بهذا القول محبتها ونلت منها فوق ما أردت ". وقد خشي أصحاب الغزال عليه من كثرة تردده إلى الملكة أن يثير هذا الغيرة في نفس زوجها فلما قيل
(١) يعتقد الأستاذ بروفنسال أنها هي Theodora زوج توفلس وابنها هو الأمير الطفل ميشيل.