للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد شهد الحميدي بأنه كان جليلا في نفسه وعلمه، وسماه المقري " عرافا ".

ويشهد معاصروه انه كان قليل المال مهملا في الأمور المادية، وتدل حادثة بيعه للطعام أيام المجاعة حين ولي قبض الأعشار على انتهاز الفرص ليجد المال، وعلى تصرفه بما ليس له، وعلى تبديده المال الذي قبضه في وقت سريع. ويقولون انه كان مقبلا على اللهو ثم أقلع عن شرب الخمر بعد عودته من المشرق وكانت يومئذ قد علت به السن وشارف الستين، واتجه إلى الزهد عملا وقولا. وقد أورد له ابن عبد ربه قصيدة تدل على انه كان بعيدا من اللهو وانه لم ينقد للذاته أبدا، مطلعها (١) :

لعمري ما ملكت مقودي الصبا ... فأمطو للذات في السهل والوعر وفيما يتحدث عن قناعته بشربة ماء وبخبز وبقل دون لحم وانه لو عمر تسعين حجة؟ وقد عمر - ما اشتاق إلى الخمر والمزاهر، بل انه سمع من الناس ان الخمر مرة، ولم يذق لها طعما:

وبالله لو عمرت تسعين حجة ... إلى مثلها ما اشتقت فيها إلى خمر

ولا طربت نفسي إلى مزهر ولا ... تحنن قلبي نحو عود ولا زمر

وقد حدثوني أن فيها مرارة ... وما حاجة الإنسان في الشرب للمر فان كانت هذه القصيدة للغزال حقا، فأنها قد تغير النظرة إلى سيرته، وإلا فأنها مما قاله بعد ان نسك، على أننا نراه في رحلته يتعذر للملكة بان الخمر حرام في دينه، ولا يعتذر بكبر السن أو بما يقارب ذلك، ولا بد من ان نذكر دائما انه كان ميالا للمداعبة والفكاهة في كل أدوار حياته.

شعره

شاعر الأندلس المقدم؟ في نظري - على جميع شعراء هذه الفترة، وربما كان ابن شهيد أعمق منه ثقافة وأبصر بالنقد، وكلامه أشد أسرا


(١) العقد ٥: ٣٥٢ (ط. اللجنة) .

<<  <   >  >>