وأجزل جزالة، ولكن الغزال أقرب إلى الطبع وأبعد عن التكلف، وأعمق تجربة وأنفذ نظرا، وأغور حكمة، ومن قلة احتفاله بصقل المبنى الشعري تجد على شعره آثار الجفاء وقلة التحلية اللفظية، وطلب المعنى في قالب مستو وان لم يكن شديد الرصانة، وهو ميال إلى الجانب التحليلي أكثر من ميله إلى التركيز، ولذلك اعتقد أن إتقانه للقصص الشعري كان من سماته الشعرية البارزة كما في قطعته التي وصف فيها ركوب البحر مع يحيى بن حبيب، وكما في تصويره لهذه المشكلة القديمة الحديثة، تخيير الفتاة بين شيخ غني أو شاب فقير، إذ يقول (١) :
وخيرها أبوها بين شيخ ... كثير المال أو حدث فقير
فقالت خطتا خسف وما إن ... أرى من خطوة للمستجير
ولكن إن عزمت فكل شيء ... أحب إلي من وجه الكبير
لأن المرء الفقر يثري ... وهذا لا يصير إلى صغير ومما يميزه بين شعراء الأندلس ميزتان كبيرتان الأولى: قيام شعره على النظرة الساخرة، ووضوح نظراته الفلسفية القائمة على تجربيته، وهما خاصيتان عزيزتان في الشعر الأندلسي. فأما السخرية فأنها القاعدة الصلبة المتصلة بروحه الفكاهية، وهي لا تفارقه في أحرج المواقف أو في أشدها جدية، حتى في الغزل، في مثل قوله:
وهي أدرى فلماذا ... دافعتني بمحال
أترى أنا اقتضينا ... بعد شيئا من نوال وقد ترفع هذه السخرية إلى مستوى المرارة في النظر إلى حقائق الحياة كقوله: