للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أو أن تقولي: النار باردة ... أو أن تقولي: الماء يتقد وحين تبلغ سخريته هذا المستوى تلتقى بفلسفته الشكية الجانحة إلى التشاؤم وسوء الظن، وهذا هو حصاد تجربة طويلة جعلته يقول (١) :

إذا أخبرت عن رجل بريء ... من الآفات ظاهرة صحيح

فسلهم عنه هل هو آدمي ... فان قالوا نعم، فالقول ريح

ولكن بعضنا أهل استتار ... وعند الله أجمعنا جريح

ومن إنعام خالقنا علينا ... بأن ذنوبنا ليست تفوح

فلو فاحت لأصبحنا هروبا ... فرادى بالفلا ما نستريح

وضاق بكل منتحل صلاحا ... لنتن ذنوبه البلد الفسيح وهذه الفلسفة هي التي جعلته يرى العلاقة الاجتماعية شيئا شبيها بعلاقة القط والفأر والثعلب والدجاج في قولة:

لا ومن أعمل المطايا إليه ... كل من يرتجي إليه نصيبا

ما أرى ها هنا من الناس إلا ... ثعلبا يطلب الدجاج وذيبا أو شبيها بالقط ألقى بعينيه إلى فأرة يريد الوثوبا ... ويغرق في هذه النظرة الشكية الكافرة بالخير إذا هو استحضر ذكر المرأة، فالمرأة سرج للتداول، أو خان يتعاقب عليه النازلون أو ثمرة يأكلها أول مار بها (٢) :

إن النساء لكالسروج حقيقة ... فالسرج ريثما لا تنزل

فإذا نزلت فان غيرك نازل ... ذاك المكان وفاعل ما تفعل

أو منزل المجتاز أصبح غاديا ... عنه، وينزل بعده من ينزل

أو كالثمار مباحة أغصانها ... تدنو لأول من يمر فيأكل وخلاصة فلسفة الغزال أن الناس جميعا متساوون لأنهم يتساوون في


(١) الجذوة: ٢٥٢.
(٢) المطرب: ١٣٦.

<<  <   >  >>