للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العيوب ولا يتفاوتون في الفضائل، وكل واحد يرى عيب أخيه ولو كان صغيرا ويعمى عن عيب نفسه:

يستثقل اللمم الخفيف بغيره ... وعليه من أمثال ذاك جبال ويبدو أن الشيخوخة فعلت فعلها في نفس الغزال ومزجت نظرته إلى الحياة بمرارة شديدة وبعد أن كانت سخريته تريحه، ثقلت عليه وطأة السنين، وكان من جراء ذلك ان امتزج شعره بالموعظة، واتجه اتجاها زهديا فأخذ ينعى على أهل اليسار احتفالهم ببناء قبورهم كأنهم غافلون عما خرب من مدائن وقصور ويذكر الموت، وانه لم يفرق بين من يلبس الصوف ومن يلبس الحرير:

إذا أكل الثرى هذا وهذا ... فما فضل الكبير على الحقير وأخذ يرثي نفسه ويستشعر الغربة بين أجيال لا تعرفه، بل ربما حسدته على طول عمره (١) :

أصبحت والله محسودا على أمد ... من الحياة قصير غير ممتد

حتى بقيت بحمد الله في خلف ... كأنني بينهم من خشية وحدي

وما أفارق يوما من أفارقه ... إلا حسبت فراقي آخر العهد

أنظر إلي إذا أدرجت في كفن ... وانظر إلي إذا أدرجت في اللحد

واقعد قليلا وعاين من يقيم معي ... ممن يشيع نعشي من ذوي ودي

هيهات كلهم في شأنه لعب ... يرمي التراب ويحثوه على خدي وحتى في هذا الفن لا نحس أن الغزال كان يصطنع هذه الحكمة، ليقال انه مجرب، وإنما هي تفيض عن نفسه طبيعية معقولة؟ وان كانت مريرة - وفي بعض أشعار الزهد هذه تصح له ابتكارات المستغرق في ذات موضوعه كقوله (٢) :


(١) العقد ٣: ٥٨، ١٩٠ (ط. اللجنة) .
(٢) المطرب: ١٤١.

<<  <   >  >>