للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تفيض بالثناء على خصائص العدل في أولئك الحكام، فكانوا يتحررون أحوال الرعية ويجلسون للمظالم، ويقدسون حكم القضاء، ويحاربون في أنفسهم ما قد يجدونه من هوى جامح؟ كان عبد الرحمن الداخل على سيرة جميلة من العدل (١) وكان هشام ابنه حسن السيرة متحيزا للعدل (٢) يحاول التشبه بعمر بن عبد العزيز في سياسته (٣) . وكان يبعث إلى الكور قوما عدولا يسألون الناس عن سير العمال (٤) . وكان الأمير محمد عظيم الأناة متنزها عن القبيح، يؤثر الحق وأهله ولا يسمع من باغ ولا يلتفت إلى قول زائغ، محبوبا في جميع البلدان مراقبا لمصالح الرعية. أما عبد الله فكان مقتصدا في ملبسه وشكله وجميع أحواله، مشيعا للصدقات، محبا للخير وأهله، كثير الصلاة دائم الخشوع، شديد الوطأة على أهل الظلم والجور، وقد خصص يوما في الأسبوع يقعد فيه على باب قصره للنظر الظلامات (٥) . ومن خلال هذه الأوصاف لهؤلاء الأمراء وغيرهم، نستشف البساطة في تناول الأمور، وقلة الانغماس في نعيم الدنيا، أو إهمال أمور الرعية، وقد ظل الأمر كذلك على درجات متفاوتة حتى انقضى عهد الأمويين والعامريين بقرطبة.

٣

- ومع تردد السيادة السياسية بين الامتداد والتقلص، كان هناك شيئان آخذان بالنمو المطرد، وهما مدينة قرطبة نفسها في عمرانها وأبهتها، والطابع الحضاري العام للبلاد الأندلسية. وقد ساعدت طبيعة الأندلس وكثرة خيراتها الزراعية والمعدنية ونشاط تجارتها على ذلك، كما ساعد


(١) الجذوة: ١٠.
(٢) الجذوة: ١١.
(٣) النفح ١: ١٦٠.
(٤) ابن عذاري ٢: ٩٨.
(٥) ابن عذاري ٢: ٢٢٨ - ٢٢٩.

<<  <   >  >>