للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انجذاب بعض الناس إلى قرطبة لأنها دار الخلافة. ولما زار ابن حوقل بلاد الأندلس ذكر ان بها غير ضيعة فيها الألوف من الناس لم تمدن، وهم على دين النصرانية، روم، وربما عصوا في بعض الأوقات ولجأ بعضهم إلى حصن، فطال جهادهم لأنهم في غاية العتو والتمرد (١) .

ونشط المستوطنون في التعلق بالزراعة، وجلبوا إلى الأندلس أنواعا من المزروعات والفواكه المشرقية، ومع الزمن أصبحت بلاد الأندلس كأنها بستان واحد متصل، كثيرة المبنى والثمار؛ وإذا سافر المرء من مدينة إلى أخرى، سار ي مناطق عامرة مأهولة تتخللها قرى كثيرة نظيفة مبيضة الدور من الخارج، ولم يحتج المسافر أن يحمل معه زادا أو ماء وربما في اليوم الواحد على أربع مدائن كبيرة عدا القرى والحصون (٢) . وهذا جعل المنتوجات المحلية والمستهلكات اليومية رخيصة الأسعار. ولولا سنوات من القحط والمجاعات لما شاب هذا الرخاء الأندلسي ما يعكره. وقد نوه ابن حوقل بالرخص والسعة والتملك الفاشي في الخاصة والعامة (٣) . وأطنبت كتب الجغرافيا في تمييز كل بلد أندلسي بما فيه من الحاصلات النباتية والمعدنية والمصنوعات، وكلها يدل علة ما يفيض عن حاجة أهلها.

٤

- والى جانب هذا النمو الحضاري في المجتمع كان هنالك مظهر آخذ بالتقلص، ذلك هو الروح العسكرية العربية. ولهذا سببان: الأول: محاولة الحاكمين أن يتخلصوا من العصبية التي كان يثيرها الجنس العربي على مر الزمن. وقد كانت تلك العصبية بين مضر ويمن في عهد الولاة (٩٢ - ١٣٨)


(١) ابن حوقل: ١: ١١١.
(٢) النفح ١: ٩٧ - ٩٨.
(٣) ابن حوقل ١: ١٠٨.

<<  <   >  >>