للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أسباب ضعف الحكم العربي حينئذ، فلما جاء عبد الرحمن الداخل، وقاومته اليمنية وأوقع بها، استوحش من العرب قاطبة، وعلم انهم على وغل وحقد، فانحرف عنهم إلى اتخاذ المماليك، واخذ يشتري الموالي من كل ناحية واستعان بالبربر، واستجلبهم من بر العدوة واستكثر منهم ومن العبيد حتى كون جيشا كبيرا (١) . ثم كان الحكم الربضي، فاستكثر أيضاً من الخدم والحشم حتى بلغ مماليكه خمسة آلاف، ثلاثة آلاف منهم فرسان يسمون " الخرس " لعجمتهم (٢) . غير أن العصبية لم تمت، إذ كانت نواة الأجناد ما تزال قبلية، وكانت الحاجة ماسة إلى إيقاظ هذه العصبية لمقاومة ابن حفصون الذي كان يمثل الانتفاضة " العجمية " بالأندلس. وفي عهد الناصر والحكم الصقالبة، وأصبحوا الحرس الخاص للخليفة حتى إذا جاء المنصور نكبهم وقضى على نفوذهم. ولكنه من ناحية أخرى أراد أن يضعف العصبية العربية فجزأ القبائل وجعل في الهند الواحدة فرقا من كل قبيلة، فخفت الفتن القائمة على العصبية (٣) . وأسقط المنصور زعماء العرب لئلا ينازعوه السلطة وجند البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد وأسرى الحرب واستدعى البربر ورتب من هؤلاء جميعا جنده (٤) . غير ان حكام الأندلس في محاولتهم القضاء على العصبية العربية أوجدوا عيوبا جديدة تسببت في القضاء على السيادة العامة في الأندلس وفي اشتعال الفتنة بين أجناس متنافرة من البرابرة والمولدين وبقايا العرب والأفريقيين السود والصقالبة، وعلى يد البربر جربت قرطبة في الفتنة.

أما السبب الثاني الذي أدى إلى ضعف الروح العسكرية فهو طبيعة الاستقرار الزراعي وحاجة السكان إلى الابتعاد عن الحرب للانصراف


(١) النفح ٢: ٧٠٦.
(٢) المغرب ١: ٣٩.
(٣) النفح ١ك ١٣٩.
(٤) النفح ١: ١٨٨.

<<  <   >  >>