للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذخيرة عن ابن حيان (١) أن ابن دراج وجد ترحيبا عند منذر وانه لم يزل عنده، وعند ابنه من بعد مادحا لهما مثنيا عليهما رافعا من ذكرهما غير باغ بدلا بجوارهما، ولكن هذا كلام يستوقف النظر حقا، فالحميدي يقول ان ابن دراج مات قريبا من العشرين وأربعمائة (٢) ، أما منذر نفسه فقد قتل سنة ثلاثين وأربعمائة على يد أحد أقربائه المسمى عبد الله بن حكم فاذا صح قول الحميدي فلا يعقل ان يكون ابن دراج قد أدرك زمان ابن منذر ثم ان ابن حيان نفسه الذي يقول ان يحيى تسلم أمور سرقسطة بعد مقتل أبيه هو نفسه الذي يروي ان القاتل عبد الله بن حكم بقي صاحب الأمر والنهي في البلد، حتى عجل سليمان بن هود (٤٣١) وجاء فتملكها (٣) ، فأين دور يحيى في ولاية سرقسطة (٤) وأين منه ابن دراج؟ مهما يكن من شيء، فان رواية ابن حيان تدلنا على أن ابن دراج ظل في سرقسطة حتى آخر أيامه وفيها توفي.

من كل ما تقدم يتجلى لنا كيف وقع ابن دراج ضحية للفتنة، كما وقعت قرطبة نفسها ضحية لها، وكيف تدهورت نفسيته إلى حد ان اصبح شعره مترددا بين الاستبشار والخيبة، بين شكوى الحال والتكفف الضارع، بين تصوير حال الأطفال وحال الممدوحين، وقد سخرت الأيام سخرية غير رفيقة بابن دراج، فقد بدأ مذهبه الشعري بالاتكاء على تصوير فراقه لزوجه وأطفاله، وتعلقهم به، ورقته عليهم في حال الفراق المتخيل، ثم انتهى إلى التحدث عن هؤلاء الأطفال ٠او الأبناء - حديثا مستمدا من الواقع لا من الخيال، وأضرعته النكبة من أجلهم في الواقع لا في الخيال أيضاً. كان غير راض بالنعمة دون رضى، فأصبح يرضى بالرزق من أي كف


(١) الذخيرة ١/١: ٤٤
(٢) الجذوة: ١٠٦
(٣) انظر تفصيل الخبر عن منذر ومقتله في الذخيرة ١/١: ١٥٢ - ١٥٨
(٤) انظر اعمال الاعلام: ٢٠٠ حيث أثار إشكالاً حول حقيقة يحيى بن منذر نفسه.

<<  <   >  >>