ثم تضيق هذه الحلقة بين الكلف بالمعنى والكلف بالفنون البديعية، فإذا معاني ابن دراج الغاز عسرة الحل تتطلب من القارئ تحيلا في الفهم وشرودا في التصور. فإذا أراد استخراج صورة جديدة يصور فيها غرام ممدوحه بجمال الحبوسين وقتالها واعلامها قال:
وأجناده في موقف الروع روضة ... وأعلامه في مورد الموت ورده والتلاعب اللفظي في هذه الصورة، يزيد إلى عسر التلاعب المعنوي. ومن معمياته قوله:
والطرف مرآة عيني أستدل بها ... على الصباح إذا ما خيف ساطعه
جونا أزيد به ليل الرقيب دجى ... ويستنير لي الإصباح لامعه ويبعد في استعاراته حين يتحدث عن الإبل التي أوصلته إلى الممدوح فيقول:
بدن فدت منا دماء نحورها ... ببقائها في كل أفق منحرا
نحرت بنا صدر الدبور فأنبطت ... قلق المضاجع تحت جو أكدرا
[خوض تفحن بنا البرى حتى انثنت ... أشلاؤهن كمثل أنصاف البرى]
وصبت إلى نحر الصبا فاستخلصت ... سكن الليالي والنهار المبصرا والمعنى أن هذه الجمال؟ وشبهها بالهدي الذي ينحر في عرفات - قد استنفذت منا دماء نحورها حين ظلت منحرا في كل وجه، أي ما عاشت إلا لتموت، فواجهت الدبور فأثارت مضاجع قلقة في جو اغبر، ثم مالت إلى نحر الصبا فلما قتلت الصبا استخلصت هدوء الليالي والنهار المبصر، وانما جاءه هذا التكلف من طلب المعنى، ومن الإلحاح على صورة النحر والفداء. ويقول في قصيدة أخرى:
في وقعة قامت بعذر سيوفهم ... لو ذاب من حر الجلاد حديدها
ويضيق فيها العذر عن خطية ... سمراء لم يورق بكفك عودها والمعنى أن السيوف لو ذاب حديدها في أيدي أولئك الأبطال من حر المعركة لكان في ذلك عذر لهم، أما الرمح الذي كنت تحمله ايها