للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الممدوح فلا عذر لأنه لم يورق من ندى كفك، وهذا غاية في الصنعة والإحالة، وتقليب المعاني التي تتردد عند الشعراء الآخرين ومزج أحدها بالآخر لإخراج معنى جديد. وقد يقف المرء حائرا إزاء قوله:

وتلك مراتب الأخطار مني ... حمائم ينتحين على هديل وربما عنى ان مراتب الأخطار ثاكلات كالحمائم اللواتي فقدن الهديل منذ القدم فهن ينحن عليه، وكذلك المراتب العليا، انها تتطلع إليه ولا تجده، ومن حق ممدوحه ان يرفعه إلى تلك المراتب. وليس المقصود من ذلك أن نشرح معقدات ابن دراج وإنما هذه أمثلة تشير إلى مقدار العناء في توضيح ما يقصده الشاعر في شعر هو اقرب أنواع الشعر إلى اللون المتافيزيقي المغرب الملتوي، عن تعمد، وصدق ابن شهيد في قوله: " وراحته بما يتعب الناس وسعة نفسه فيما يضيق الأنفاس ".

وما وصلنا من شعر ابن دراج ليس قليلا؟ نسبيا - (١) إلا أن كل القصائد موضوعها المدح إلا قصيدة رثاء صبح أم المؤيد، والا قطعتان غزليتان لا اشك في انهما مقدمتان لقصيدتين طويلتين في المدح، وإحداهما صريحة في ذلك لأنها تقف عند بيت التخلص إلى مدح المنصور، ولذلك لا نستطيع ان نحكم عليه في فنون أخرى من الشعر، ولكنه منذ البدء يشير إلى إتقانه ما يتصل بحياة أطفاله وأبنائه، وقد أضفى على منظر الوداع في معارضته لأبي نواس لفتات شعرية مؤثرة وهو يتحدث عن ابنه الصغير:


(١) جمع شعره على حروف المعجم محمد بن إبراهيم القيسي من أهل وشقة وسكن سرقسطة وزاد فيه كثيرا على ما بأيدي الناس في سنة ٤٦٧ ورآه ابن الأبار بخطه في بلنسية سنة ٦٣٥، ولعل سكناه لسرقسطة أعانته على جمع ما زاده من شعر (التكملة: ٤٠٣) وأجاز ابن حزم رواية شعره، وعن ابن حزم رواه الحميدي وشريح بن محمد المقرئ (فهرسة ابن خبر ٤١٤ - ٤١٥) ورأى ابن خلكان ديوانه ونقل منه وقال انه في جزأين.
وقد نمي الي أن ديوانه قد وجد كاملا ولكني لم اطلع عليه.

<<  <   >  >>