للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عجوز لعمر الصبا فانيه ... لها في الحشا صورة الغانيه

زنت بالرجال على سنها ... فيا حبذا هي من زانيه

تقاصر عن طولها قونكة ... وتبعد عن غنجها دانيه

ترديت من حزن عيشي بها ... غراما فيا طول أحزانيه وكان أبو عامر عند النكبة في ريعان الشباب، وفورة الهوى، تجاوز العشرين بقليل وقد تعود حياة اللهو التي تهيئها المدينة الكبيرة، ولكنه أيضا شعر، بحكم سنه وما يحيط به من مثالية في النظر إلى الامور، أن الفتنة غيرت المقاييس وزعزعت القيم، فرفعت وخفضت دون معيار صحيح، " وان الفتنة نسخ للأشياء من العلوم والأهواء ترى الفهم فيها بائر السلعة، خاسر الصفقة يلمح بأعين الشنآن، ويستقل بكل مكان " (١) . حقا ان الفتنة لم تتركه منطويا على نفسه ولكنها أيضاً قتلت فيه طموح الطفولة والصبا إلى السيادة، فأخذت الحاجة وحدها تدفعه؟ كما دفعت ابن دراج - إلى مدح هذا أو ذاك ممن تعاقبوا على حكم المدينة، مع شعور عميق بان العامريين وحدهم، هم الذين كانوا يستطيعون ان يفردوه ويميزوا مكانته بين ذوي الفهوم. وكما ان الفتنة قوت في نفسه حب السلامة في تلك الفترة المتقلبة، فانها أضافت شيئا إلى المرارة التي كان يحسها نحو الأشياء والناس وأذكت من نار النقمة عنده على بعض معاصريه، حتى لتحس من بعض رسائله انه كان يرى من حوله يكيدون له، حبا في الكيد أو حسدا لعبقري مثله. ومما زاد في نقمته انه رأى بعض من كان يعاشرهم من فتيان العامريين، قد صاروا سادة في شتى جهات الأندلس، فأخذ يحس، محققا أو ظانا، أن أصدقاءه تنكروا له، ومن هؤلاء مجاهد العامري أبو الجيش، الذي كان رفيق صباه، فلما حدثت النكبة وهبت على مجاهد ريح السعد " وجاءت المنى من تهامة ونجد " حاص عن الوفاء، فانقطع عن مراسلة


(١) الذخيرة ١/١: ١٧٩

<<  <   >  >>