للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الرابعة: الفكاهة، والميل إلى الهزل، واكثر ما بقي له من هذا يشير إلى حدة في الطبع، وحرارة في الأجوبة، وهجوم على التعريض الكاوي، والألفاظ المقذعة، وهو شيء تبرزه رسائله لا أشعاره فان الفكاهة في شعره قليلة أو معدومة، وخصوماته الأدبية كثيرة، وهي معرض لهذه الحدة الممزوجة بالتندر، إلا انه كان؟ على إعجابه وحدته - محببا إلى نفوس أصدقائه، يأنسون بمجلسه ويغترفون من كرمه، ويقضون الوقت في داره طاعمين شاربين أو متنزهين في البساتين أو متحدثين في جامع قرطبة. على انه بعد ذلك دائم التبرم من الزمان لأنه لم ينصفه وقدم غيره، محقر لأكثر الملكات الأدبية في بلده، زار على النشاط الثقافي فيه، ولعل انصرافه إلى اللذة وتبطله مقترن أولا بيأسه من أحوال قرطبة بعد الفتنة، متصل أيضاً بفرقه الشديد من الموت، وقد كان يؤمن بأنه عبقري، وانه لا يعمر طويلا، وقد قال فيه جني أبي الطيب (١) : " ان امتد به طلق العمر فلا بد ان ينفث بدرر، وما أراد الا سيحتضر، بين قريحة كالجمر، وهمة تضع أخمصه على مفرق البدر ". ولعل نقمته على الحياة وقلة احتفاله بجد الأمور ازدادا حينما انه لا يعيش له أبناء، ولا ندري كم رزق منهم، ولكنه رثى بنيه له ماتت صغيرة، بقصيدة منها (٢) :

أيها المعتد في أهل النهى ... لا تذوب إثر فقيد ولها وفيها يقول:

وإذا الأسد حمت أغيالها ... لم يضر الخيس صرعات المها

وغريب يا ابن أقمار العلا ... أن يراع البدر من فقد السها وجل اعتماده في شعره على شحذ قريحته، لأن ثقافته لم تكن عميقة ولا واسعة الأطراف، وقد قرأ وحفظ كثيرا من شعر المشارقة ونثرهم،


(١) الذخيرة ١/١: ٢٢٨
(٢) الذخيرة ١/١: ٢٢٤

<<  <   >  >>