للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الشعر؟ كان يعرف التطور الذي أصاب الشعر بعد صريع الغواني وبشار وأبي نواس وكيف أسرف أبو تمام في التجنيس " وطاب ذلك منه امتثله الناس، فكل شعر لا يكون اليوم تجنيسا أو ما يشبهه تمجه الآذان، والتوسط في الأمر أعدل " (١) ، وهذا قد يدل على الطريقة التي انتهجها في نظرته إلى البديع، وانه سلك في شعره مسلكا متوسطا، في هذا الاتجاه. بل ان قارئ شعره ليحس انه يصف مذهبه حين يقول: " ومنهم الكارع في بحر الغزارة القادح بشعاع البراعة، الذي بمر مر السيل في اندفاعه، والشؤبوب في انصبابه، ولا يشكو الفشل ولا يكل على طول العمل " (٢) ، وابن شهيد قد بنى شعره في أكثره على هذا الاندفاع الجامح، والحدة العارمة، حتى ليجد من يقرأ شعره انه في حدة غاضبة لا تكاد تهدأ. وهو يقر انه يعتمد استعمال وحشي الكلام غير انه لا يجعله نابيا في شعره لأنه يحس وضعه في مواضعه (٣) بل ان ابن شهيد الناقد هو الذي اختار للناس روائع شعره ووضعها في أيديهم ليشهدوا له أو عليه، وذلك في رسالة " التوابع والزوابع " فبالإضافة إلى ما تحتويه هذه الرسالة من فكاهة وتندر بابن الافليلي وبعض خصوم ابن شهيد في قرطبة، وما تثيره من تخيلات في عالم الجن، تعرض محاسن شعر ابن شهيد التي يراها خير ما يقدم من الشعر، ازاء شعر المشرق، وتكشف هذه الرسالة أيضاً عن سر ابن شهيد نفسه في مذهبه حين تقف به عند شاعر، محاولا التفوق على مشاهيرهم، ما عدا المتنبي. فهو يعارض عمر بن أبي ربيعة في رائيته، وطرفة في قصيدة له لامية، وقيس بن الخطيم في قصيدته الحماسية التي يقول فيها:

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها


(١) الذخيرة ١/١: ٢٠٣
(٢) الذخيرة ١/١: ٢٠٤
(٣) الذخيرة ١/١: ٢٠٠

<<  <   >  >>