ثم يعارض المحدثين كالبحتري وأبي نواس، ويتهيب ان ينشد المتنبي ثم يسمعه عددا من قصائده؟ دع ذكر الناثرين -، ثم تطلعنا كيف كان المعنى هؤلاء المتقدمين يذهب ويجيء في نفسه، ويدهشه أحياناً لا ثم لا يلبث أن ينشق خاطره عن معنى مولد منه، فقد ملك إعجابه؟ مثلا - قول امرئ القيس:
سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال وافتتن به، ورأى عمر بن أبي ربيعة قد حاوله فقصر عنه حين قال:
ونفضت عني النوم أقبلت مشية الحباب وركني خيفة القوم أزور ... وظل يتأمل هذا المعنى حتى بدا له من وجوهه ما ان يقول:
ولما تملأ من سكره ... فنام ونامت عيون العسس
دنوت إليه على بعده ... دنو رفيق درى ما التمس
أدب إليه دبيب الكرى ... وأسمو إليه سمو النفس وظل معنى أبي الطيب:
أأخلع المجد عن كتفي ولأطلبه ... وأترك الغيث في غمدي وأنتجع - ظل يحيك في نفسك حتى استطاع أن يقول:
ومن تحت حضني ابيض ذو سفاسق ... وفي الكف من عسالة الخط أسمر
فذا جدول في الغمد تسقى به المنى ... وذا غصن في الكف يجنى فيثمر واقلقه بيت أبي الطيب:
وأظما فلا أبدي إلى الماء حاجة ... وللشمس فوق اليعملات لعاب حتى قال، وأعجب بقوله:
إذا الشمس رامت فيه أكل لحومنا ... جرى جشعنا فوق الجياد لعابها ويستشف من رسالته هذه ان المتنبي هو الرمز الكبير الذي كان يأسره ويملك إعجابه ويدفعه إلى المحاكاة وتوليد المعاني. وقد أدى ابن شهيد