للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كل ذلك ولم يضعف لأنه بنى شعره كما تقدم على الاندفاع والعنف والغضب، ولم تقصر به المحاكاة، وابرز توليد المعاني منه شاعرا متوقد القريحة، لماحا مجددا للصور؟ كان عيبه الكبير هو ميزته الكبرى أعني شعوره بأنه متفوق على كل شاعر، وانه يستطيع ان يساوي المتنبي ان لم يتفوق عليه، وكثرت عليه الروافد من هنا وهناك، فمضى يروض قريحته على الاضطلاع بهذا العبء الكبير، بل انه لا يطيق ان يثني الناس على قطعة شعرية لأبيه فبعد ان روى القطعة السابقة التي منها " قهقه الإبريق مني ضحكا؟ " قال (١) : " فان استهل الطاعن صارخا، وقال: هكذا الشعر وهكذا الطبع وهكذا الماء رقة وعذوبة والهواء لطافة وسهولة؟ قلنا له:

أذن الديك فثب أو ثوب ... وانضح القلب بماء العنب " ومضى يروي قصيدة له، يرى أنها لا تقصر عن مقطوعة أبيه.

ومن رياضة القريحة وكدها، أطاعة القول واسمح، وليس هناك من كان يجمع بين الميزتين كابن شهيد اعني بين التعب الذي يتكلفه في الإحاطة بالمعاني وانتقاء الألفاظ، وبين سرعة البديهة والقدرة على الارتجال، وقد عرف فيه أصحابه ذلك فكانوا يعتقدون له المجالس ويمتحنونه في القول على البديهة؟ ذلك ما فعله الوزير ابن عباس حين قدم قرطبة، ومثل ذلك أيضاً قام به جماعة من أصحابه، حين طلبوا إليه ان يصف مجلسا سمجا ردئ الهيئة فيه باب غريب معرض، ولبد احمر مبسوط على الأرض وقد خلعوا نعالهم على إحدى حواشيه، فقال بديهة قطعته التي مطلعها (٢) :

وفتية كالنجوم حسنا ... كلهم شاعر نبيل ومنها في صفة المجلس:


(١) الذخيرة ١/١: ١٧٧
(٢) الذخيرة ٤/١: ٢٧

<<  <   >  >>