الغلو أن أميزه بكثرة الصور المبتكرة، لا بين شعراء الأندلس فحسب بل بين شعراء المشارقة أيضاً، ومن ذلك:
فكأن النجوم في الليل جيش ... دخلوا للكمون في جوف غاب
وكأن الصباح طير ... قبضت كفه برجل غراب ففي البيتين صورتان هما الغاية في الطرافة، وصورة الصباح منهما تدل على دقة عجيبة في الرسم والتجسيم معا. ومن صوره أيضاً:
ورعيت من وجه السماء خميلة ... خضراء لاح البدر من غدرانها
وكأن نثر النجم ضأن وسطها ... وكأنما الجوزاء راعي ضانها فتصور القمر غديرا من تخيلات ابن شهيد الخاصة، أما رؤية النجوم في شكل ضأن أو صوار فهي متوفرة في الشعر القديم، كشعر ذي الرمة، وقد أضاف إليها ابن شهيد الجوزاء راعيا وجمع بين البيتين لتمام منظر واحد.
ومن غرائب ذلك قوله في الغزل:
فمشت نحوي وقد ملكتها ... مشية العصفور نحو الثعلب وتتساند الموسيقى الهادرة مع الصور المنظورة في شعره ولكنه إلى الثانية اكثر ميلا، فإذا تحدث عن الأصوات كانت مدوية أو مزجرة، أي قوية شديدة، ولعل لذلك صلة بثقل سمعه، ولذلك أيضاً؟ فيما اعتقده - يرتاح إلى المرئيات اكثر، ولا يستطيع ان يبعث في شعره موسيقى خفيفة إلا نادرا، وان كان يتحدث عن التذاذه بالغناء وصوت المزاهر والكيثار وغيرها، ومن الطريف في هذا؟ وهو الأصم - ميله في الشعر إلى الحوار (راجع قصيدته في رثاء ابن اللمائي) ومن ذلك قوله:
قلت: هب لي يا حبيبي قبلة ... تشف من عمك تبريح الصدى
فانثنى يهتز من منكبه ... قائلا: لا، ثم أعطاني اليدا؟؟.