للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المؤيد لم يلبث ان عاد (٧ ذي الحجة سنة ٤٠٠) فاتهمهم بأنهم المحركون للمهدي " وامتحنا بالاعتقال والترقيب والاغرام الفادح والاستتار. وأرزمت الفتنة وألقت باعها وعمت الناس وخصتنا " (١) . وفي أثناء الفتنة توفي أبوه السبت لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ٤٠٢هـ. واصبح علي يواجه الأزمة مع أهله دون أن تكون شخصية الوزير المحبوب إلى جانبهم، فأجلوا عن منازلهم وتغلب عليهم جند البربر ونهبوا منازلهم الغربية، واستوطنوها. وخرج ابن حزم عن قرطبة اول عام سنة ٤٠٤هـ (٢) . وتكاد هذه الحادثة ان ترسم خطا فاصلا في حياته. ولكنه لم ييأس من العودة إلى الوطن وانتهز كل فرصة لذلك. وكان يحسب أن إعادة الخلافة الأموية كفيلة بإرجاعه، وإرجاع دوره وقصوره. فلذلك شايع من قام منهم للمطالبة بالخلافة. ذلك انه بعد رحيله عن قرطبة لجأ إلى المرية، وحاكمها يومئذ خيران العامري فنقل الوشاة إلى خيران أن ابن حزم وصديقه محمد بن إسحاق يسعيان في القيام بدعوة الأموية. فاعتقلهما أشهرا ثم غربهما عن المرية، فصارا إلى حصن القصر ونزلا على عبد الله بن هذيل التجيبي، فأقاما عنده شهورا مكرمين. ثم ركبا البحر قاصدين بلنسية عندما سمعنا بظهور المرتضى عبد الرحمن بن محمد الأموي فساكناه ببلنسية (٣) ، وسارا معه في محاصرته لغرناطة وفيها زاوي بن زيري الصنهاجي. غير أن آماله عادت فتحطمت لاخفاق المرتضى. ومع ذلك نجده يعود إلى قرطبة سنة ٤٠٨ وواليها يومئذ القاسم بن حمود. وهناك تحسس معاهده ودياره وبكاها بحرقة وتفقد أصدقاءه فوجدهم قد تفرقوا ومات بعضهم كصديقه الحميم ابن الطبني. وانصرف في قرطبة إلى تلقي العلم، لأنه أحس بنفسه ضائعا لم ينل دنيا، وتكاد الآخرة تفلت من يده. وقبل ان نتحدث عن نشاطه العلمي نتم الحديث عن


(١) الطوق: ١١١
(٢) الطوق: ١١٢
(٣) الطوق: ١١٨

<<  <   >  >>