للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعلى حب المسالمة وعدم التعرض لأذى أحد من جل أدنى معرفة ناشئة. غير ان علاقاته لم تكن لتقوم إلا بعد التجربة الطويلة ولا تصح محبته إلا بعد التمادي في الأنس فما دخل عسيرا لم يخرج يسيرا (١) . وكانت الشقرة في الجمال اكثر تأثيرا من غيرها في نفسه.

وقد تعاورت عليه علل غيرت من قواه الجسمانية، أصيب مرة بعلة أفقدته ما كان يحفظ وما عاوده حفظه إلا بعد أعوام، وكان يكثر أكل الكندر مقاومة لما أصابه من خفقان القلب وهو يعزو إلى ذلك جمود دمعه في اشد المواقف العاطفية. وأصيب مرة بالرمد، ومرة بمرض ولد عليه ربوا في الطحال وهو يقول ان ذلك استلب منه الشعور بالفرح والبهجة وأورثه الضجر والضيق وقلة الصبر (٢) . وهذا يفصح عن سبب المرارة وحدة الخطاب في مناظراته ومجادلاته لمخالفيه.

وعلى شدة ضعفه أما الجمال فانه لم يتورط في المحرمات حتى قال، " يعلم الله أني بريء الساحة سليم الأديم صحيح البشرة نقي الحجزة. واني اقسم بالله اجل الأقسام ما حللت مئزري على فرج حرام قط " (٣) .

وكان يرى ان استكمال الظرف إنما يتم لمن تختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وحفظ قصيدة ابن زريق (٤) .

وزعم أبو الخطاب ابن دحية ان ابن حزم برص من أكل اللبان وأصابته زمانة.

وعلى الجملة فان رسم صورة كاملة لشخصية ابن حزم مما تضيق عنه هذه الترجمة، فقد كان نسيج وحده فيمن أنجبتهم الأندلس.


(١) الطوق: ٢٤
(٢) الرسائل: ١٥٥
(٣) الطوق: ١٢٦
(٤) الغيث: ١٠٤

<<  <   >  >>