الكلام من تهكم بطبقة من اللذات عرفها أبو عامر بقرطبة: وأما الإوزة فأنها أيضاً تابعة شيخ من شيوخ قرطبة وقد رمز له بالإوزة لأنها صغيرة الرأس مشهورة بالحمق محرومة من عقل الطبيعة وقد وصفها بالكبر وادعى انها اتهمته بأنه لا يحسن شيئا من النحو والغريب، ومرة أخرى نعود إلى مثل موقف ابن الافليلي إذ يطلب إليها ابن شهيد ان تحاوره فيما يحسنه من البيان لا فيما ليس يحسنه.
وفي هذه الرسالة كشف أبو عامر عن كثير من آرائه في النقد وصور الصراع بين الموهبة وسعة الاطلاع، وقدم خير ما يختاره من نظمه ونثره مبنيا في أكثره على المعارضة والأخذ ومزج كل ذلك بشيء من التخيل وقسط قليل من الفكاهة وكمية كبيرة من العجب والعنف.
٢ - طوق الحمامة
اجتمعت لهذا الكتاب فنون من العناصر ميزته بين غيره من الكتب الأندلسية، منها انه كتاب في الحب يكتبه فقيه من فقهاء الأندلس كان شديد العارضة في المدافعة عن الدين، وقد صرف حياته في المجادلات الفقهية العنيفة، فتخصيصه شيئا من وقته للحديث في هذا الموضوع مما يستوقف النظر. وقد كان يحس وهو يكتبه ان بعض المتعصبين سينكرون عليه تأليفه ويقولون انه خالف طريقته وتجافى عن وجهته فقال: وما أحل لأحد أن يظن في غير ما قصدته، قال الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ". وصرح انه لا يحب المراءاة ولا ان ينسك نسكا أعجميا. ومنها الطريقة التي أتبعها ابن حزم في هذا الكتاب، فقد ألف شيخه ابن داود الأصفهاني كتاب الزهرة وجمع فيه أشعار الحب وخلط ذلك بشيء من أشعاره الخاصة، أما حزم فقد تقدم أستاذه خطوات كثيرة، حقا نه استغل هذا الكتاب ليعرض فيه أشعاره الغزلية في مواقف متنوعة، كما فعل