صديقه ابن شهيد في التوابع والزوابع ولكن ذلك لم يكن هو غايته الأولى من الكتاب بل كانت غايته الكبرى هي رسم صورة واقعية من حياته هو ومن حياة الناس ببلده حول موضوع واحد هو " الحب "، مخفيا أسماء بعض الأشخاص حينا مصرعا بها في أحيان كثيرة، وهذه الناحية من الكتاب هي أقوى ما فيه، لأنها تضمنت اعترافاته الذاتية، وتجاربه وتجارب من حوله في شئون عاطفية، فكان ذلك من اجمل ما سجلته كتب التراجم العربية في هذا الباب، فالكتاب من بعض نواحيه " ترجمة ذاتية " تصور شجاعة صاحبها في الحديث عن نفسه وعن مجتمعه، كما تدل على نوع دقيق من الاستيطان النفسي، ومن دراسة عارضة لنفسيات الآخرين. ثم ان هذا الكتاب يحتوي نظرة في الحب تشبه ان تكون مفلسفة افلاطونية، وهي نوع من الحب العذري لم يكن كثير الشيوع في الشعر الأندلسي من قبل، فشرح الحب على هذه الطريقة حدث هام في الأدب الأندلسي جعل بعض الباحثين من المستشرقين يعقد الصلة بين هذه النظرة الأندلسية، وما طرأ من تغير على شعر الحب في أوربة في القرن الثاني عشر، والى كتاب طوق الحمامة يشير المشيرون حين يتحدثون عن هذا الأثر.
ولا نستطيع ان نعين بالضبط متى كتب ابن حزم كتاب الطوق، ولكنه ألفه فيما يبدو بعد خروجه من قرطبة بوقت غير طويل، إذ لا تزال حسرته على دياره ومعاهده التي خربها البربر حية قوية، كما انه يتحدث فيه عن مشاهداته في مدن الأندلس المختلفة، مما يدل على انه ربما بدأ بكتابته بعيد استقراره النهائي واعتزاله الحياة السياسية، وهذا لم يتم قبل سنة ٤١٩، ويفصح انه حين كتبه كان يسكن شاطبة وان كتابا لأحد أصدقائه وصلة من المرية، ثم جاءه صديقه زائرا وكلفه أن يصنف له رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأغراضه، فتكلف التأليف إرضاء لصديقه، وأخذ على نفسه ألا يقص قصص الأعراب