للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

علماء بلدنا بالأندلس، وان كانوا على الذروة العليا من التمكن بأفانين العلوم، وفي الغاية القصوى من التحكم على وجوه المعارف، فان همهم قد قصرت عند تخليد مآثر بلدهم، ومكارم ملوكهم، ومحاسن فقهائهم، ومناقب قضاتهم، ومفاخر كتابهم، وفضائل علمائهم، ثم تعدى ذلك إلى ان أخلى أرباب العلوم منا من ان يكون لهم تأليف يحيي ذكرهم، ويبقي علمهم، بل قطع على ان كل واحد منهم قد مات فدفن علمه معه، وحقق ظنه في ذلك، واستدل على صحته عند نفسه، بأن شيئا من هذه التآليف لو كان موجودا لكان إليهم منقولا، وعندهم ظاهرا، لقرب المزار وكثرة السفار، وترددنا (١) إليهم، وتكررهم علينا.

٢ - ثم لما ضمنا المجلس الحافل بأصناف الآداب، والمشهد الآهل بأنواع العلوم، والقصر المعمور بأنواع الفضائل، والمنزل المحفوف بكل لطيفة وسيعة من دقيق المعاني، قرارة المجد ومحل السؤدد، ومحط رحال الخائفين، وملقى عصا التيار، عند الرئيس الأجل الشريف قديمة وحسبه، الرفيع حديثه ومكتسبه، الذي أجله عن كل خطة يشركه فيها من لا توازي قومته نومته، ولا ينال حضره هويناه (٢) ، وأربي به عن كل مرتبة يلحقه فيها من لا يسمو إلى المكارم سموه، ولا يدنو من المعالي دنوه، ولا يعلو في حميد الخلال علوه، بل أكتفي من مدحه باسمه المشهور، وأجتزئ من الإطالة في تقريظه بمنتماه المذكور، فحسبي بذينك العلمين دليلا على سعيه المشكور وفضله المشهور، أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم صاحب البونت (٣) ، أطال الله بقاءه،


(١) النفح: وترددهم
(٢) الحضر: سرعة الجري
(٣) البونت: قرية من أعمال بلنسية، استقل فيها بنو قاسم بعد الفتنة وأولهم عبد الله بن قاسم الذي توفي سنة ٤٢١ وخلفه ابنه محمد الملقب بيمن الدولة، وبقي فيها واليا حتى سنة ٤٣٤ (أعمال الأعلام: ٢٠٨) .

<<  <   >  >>