للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغناء ونشأة الأدب

وكان الغناء من أكبر العوامل التي مكنت للنماذج المشرقية في البيئة الأندلسية، فان التفاعل بين الموسيقى والشعر ذو قدرة على توجيه الشعر وتحديد قوالبه، وقد كاد اعتماد الأندلس يكون كليا على التلاحين المشرقية، وكان أمراؤهم يؤمنون بتفوق الجواري المشرقيات في هذه الناحية، ويبذلون في استقدامهن الأموال الكثيرة فابتاع عبد الرحمن الداخل جارية تسمى العجفاء وكانت تغني بالمدينة عند أحد موالي بني زهرة، كما اشترى عبد الرحمن جاريتين مدنيتين أيضا هما فضل وعلم وأضاف إليهن جارية ثالثة بشكنسية اسمها قلم، وكان يؤثرهن لجودة غنائهن لجودة غنائهن ورقة أدبهن. واشترى. إبراهيم بن حجاج اللخمي صاحب اشبيلية جاريته قمر وكانت بغدادية ذات فصاحة وبيان ومعرفة بصوغ الألحان وهاجر في أيام الحكم بن هشام اثنان من مغني المشرق هما علون وزرقون (١) . ويروي ابن حزم عن أحد أساتذته أن رجلا من أهل المشرق دخل الأندلس فسكن قرطبة على شاطئ الوادي بالعيون وانه كانت لديه جارية مدنية طيبة الصوت، تقرأ القرآن وتغني وانه دعا قاضي المدينة حينئذ فأسمعه من قرائتها وغنائها (٢) . ثم دخل زرياب الأندلس هو وأبناؤه وجواريه فعفى على آثار من سبه بتجديداته وبدعه في الغناء والآداب العامة. وكان زرياب تلميذا لاسحق الموصلي فأبعده حسد أستاذه له عن بغداد، فطلب حظ نفسه في بلاد بعيدة. وكاتب الحكم بن هشام بالقدوم عليه، فسر الحكم بذلك وأرسل لتلقيه مغنيا يهوديا كان عنده اسمه منصور ولكن الحكم توفي قبل ان يصل زرياب، ولم يكن خليفته عبد الرحمن بأقل ميلا منه إلى هذا المغني الجديد فحثه على القدوم، وأجرى عليه راتبا شهريا مقداره مائتا دينار، وجعل


(١) المصدر السابق: ٧٥٣.
(٢) الجذوة: ٤١.

<<  <   >  >>