للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

له وظيفة سنوية أخرى ورسما في كل عيد، وكان كلما غناه وأطربه وهبه مالا غير الذي فرضه له، وأقطعه أيضاً من الدور والمستغلات والضياع ما يقوم بأربعين ألف دينار. وزاد زرياب في أوتار عودة وترا خامسا، واختراع له مضرابا أتخذه من قوادم النسر معتاضا به من مرهف الخشب. وجعل للغناء مراسيم، فكل مغن لا بد ان يبدأ بالنشيد أول شدوه، بأي نقر كان، ويأتي إثره بالبسيط، ويختم بالمحركات والأهازيج؛ واخذ في تعليم الغناء واختبار صلاحية الأصوات، وتلقف أبناؤه وبناته وجواريه صناعته وأشاعوها في الأندلس، وكان ابنه عبد الله خير أبنائه صوتا، ويتلوه عبد الرحمن، أما قاسم فكان احذقهم غناء، وعلم جارية له تسمى منفعة احسن أغانيه ثم أهداها لعبد الرحمن بن الحكم، أما حمدونة ابنته فكانت محسنة لصناعتها متقدمة فيها على أختها علية. وممن خرجهن أيضاً مصابيح جارية الكاتب أبي حفص عمر بن قهليل (١) . وقد تعلم بعض رجال الأندلس أصول هذا الغناء المشرقي فكان عباس بن فرناس الشاعر مجيدا له، وكان لعقيل بن نصر الشاعر أغان يجري فيها مجرى الموصلي (٢) . وألف اسلم بن احمد بن سعيد كتابا في أغاني زرياب (٣) إذ أصبح لزرياب طرائق مخصوصة في هذا الفن يتناقلها الناس، وكان المطرف بن الأمير محمد عالما بالغناء وكان له أخوان آخران عارفين بالغناء جدا (٤) .

وتلقاه في هذه الفترة أيضاً شخصية الزامر، وهو رجل لا يستغنى عنه في الحفلات والأعراس، وقد كان من مشهوري الزامرين النكوري الذي كان يزمر لعبد الرحمن الناصر، ومن زيه ان يلبس قلنسوة وشي


(١) انظر ترجمة زرياب في النفح ٢: ٧٤٩ وما بعدها، ويجد القارئ ما استحدثه زرياب في الآداب العامة والأزياء هنالك مفصلا.
(٢) الجذوة: ٣٠٤.
(٣) الجذوة: ١٣٧، ١٦٢.
(٤) الجمهرة: ٩١.

<<  <   >  >>