للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وثوبا من الخز، وموضعه من الناس في وسط الحفل (١) ومنهم ابن مقيم الزامر وكان طيب المجلس صاحب نوادر (٢) ومن الطنبوريين زربوط الطنبوري الذي قتل هو وقنبوط الملهي في وقعة قنتيش (قنطيش) أيام فتنة البربر مع سليمان المستعين (٣) ، وقد كان هؤلاء الزامرون ينغمون الألحان السائرة في أحداث مشهورة لأنها تجد إقبالاً من الجماهير، وفي تلاحين زرياب قد نجد الأساس الذي انبثق عنه الموشح من بعد، وفي التنغمات الشعبية التي يرددها الزامرون قد نجد أصول الأزجال.

وقد وجد الغناء بالأندلس قبولا يكاد يكون شاملا ولم يتحرج فيه قوم، ومن العسير أن نثبت أن رجال الدين هنالك كانوا يكرهون الغناء، أو يشددون النكير على أهله، بل لعلهم كانوا في هذه الناحية أقرب الناس شبها بفقهاء أهل المدينة ونساكها، ومن الحكايات الدالة في هذا الباب قصة قاضي الجماعة محمد بن أبي عيسى وكان عند رجل من بني حدير وجارية للحديري تغنيهم هذه الأبيات:

طابت بطيب لثاتك الأقداح ... وزهت بحمرة خدك التفاح

وإذا الربيع تنسمت أرواحه ... طابت بطيب نسيمك الأرواح

وإذا الحنادس ألبست ظلماءها ... فضياء وجهك في الدجى مصباح فكتب القاضي هذه الأبيات في يده، وخرج للصلاة على جنازة، والأبيات مكتوبة على باطن كفه (٤) . وكان ابن عبد ربه؟ وهو ذو الديانة والصيانة - مارا ذات يوم ببعض الأحياء فسمع مصابيح تغني، فاستماله غناؤها ووقف تحت الروشن منصتا، ثم مال إلى بعض المساجد وأخذ لوحا لبعض الصبية وكتب عليه:


(١) الجذوة: ١٣٤.
(٢) الجذوة: ٣٧٤.
(٣) الذخيرة ١/١: ٣١.
(٤) الجذوة: ٧٠.

<<  <   >  >>