للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يا من يضن الطائر الغرد ... ما كنت أحسب هذا البخل من أحد

لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة ... أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد فلما قرأ سيدها الأبيات، خرج إليه مسرعا، وادخله بيته ورحب به (١) . ويصف لنا الإمام ابن حزم مجالس الغناء ويذكر الشعر الذي كان يغنى به ويصور شدة تأثره بما يسمع (٢) . وكلفته حفنى العامرية إحدى كرائم المظفر عبد الملك بن أبي عامر صنع أبيات تلحنها، ففعل، وذكر ان لها فيها صنعة في طريقة النشيد والبسيط رائقة جدا (٣) وتناول ابن حزم الغناء من الناحية الفقهية في رسالته " الغناء الملهي وهل هو مباح أو محظور "، ورد الأحاديث التي تقوم بحظرة جميعا (٤) ، ألا أن هذا الميل ليس عاما فقد وجد بين الناس من ينكر هذا المذهب، ولما شاء ابن حيان ان يثلب أحد الفقهاء قال فيه: " من رجل مرخص في السماع، صب بإنشاد الأغاني الفاتنة " (٥) فجعل ذلك بعض عيوبه.

ومهما يكن من شيء فقد شاع الغناء في البلاد الأندلسية عامة، ولم يقتصر احتفال الناس به على قرطبة، بل لعل المدن الأخرى بذتها في هذا الشأن، وأحرزت اشبيلية بعد هذا العصر الذي نتحدث عنه قصب السبق في كثرة الإقبال على اللهو وآلات الضرب والغناء، حتى لقد قال فيها ابن رشد: " إذا مات عالم باشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وان مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت على اشبيلية " (٦) وفي سنة ٤٠٦ كان التجيبي شارح المختار من شعر بشار مريضا بمدينة مالقة فقال يصف حاله في تلك المدينة " وكنت إذا جنني


(١) الجذوة: ٩٥.
(٢) طوق الحمامة: ٣١، ١١٠.
(٣) طوق الحمامة: ١١٤.
(٤) رسائل ابن حزم: ٩٣ وما بعدها.
(٥) الذخيرة ١⁄٢: ١٠٠.
(٦) النفح ١: ٧٦.

<<  <   >  >>