للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الليل اشتد سهري وخفقت حولي أوتار العيدان والطنابير والمعازف من كل ناحية "، وقد اعجب بغناء جارية كانت تغني أبياتاً منها:

ما بال أنجم هذا الليل حائرة ... أضلت القصد أم ليست على فلك

عادت سواريه وقفا لا حراك لها ... كأنها جثث صرعى بمعترك فلما سأل عنها عرف إنها جارية بغدادية، من جواري المنصور بن أبي عامر، صارت إلى أحد الوزراء (١) .

الحياة الثقافية والأدب

وفي هذا الجو من الإيمان بالشعر المحدث، ومن القياس على الطرائق الغنائية المشرقية، كان الشعر لا يزال في حاجة إلى ثالث هذه الأبعاد، اعني إلى العمق الثقافي، لكي ينأى؟ ولو قليلا - عن روح التقليد وعن سطحية الغناء وخفقه. وقد قام أولو الأمر بتشجيع الثقافة وتقريب أصحابها من المقيمين والوافدين، وهيأوا الأسباب التي تكفل تقدمها ونماءها، فرعوا أمر الفقه واللغة والطب والتنجيم، وشجعوا المؤلفين على التأليف. فوجه الأمير عبد الرحمن إلى المشرق عباس بن ناصح الجزيري في التماس الكتب القديمة فجاءه بالسند هند وغيره منها، وهو أول من ادخلها الأندلس، وعرف أهلها بها ونظر هو فيها (٢) . وفي وسط المائة الثالثة، أيام الأمير محمد ابنه تحرك أفراد من الناس إلى طلب العلوم ولم يوالوا يظهرون ظهورا غير شائع إلى أواسط المائة الرابعة (٣) وممن اشتهر بطلب العلوم في هذه الفترة أبو عبيدة البلنسي المعروف بصاحب القبلة وكان فلكيا دارسا للجغرافيا وقد هاجمه ابن عبد ربه واتهمه بانه ينسب الرزق إلى الكواكب، وانه يقول بكروية الأرض وتخالف الفصول في نصفيها الجنوبي والشمالي. واهتم بالمنطق والحساب


(١) شرح المختار: ١٥ - ١٦.
(٢) المغرب ١: ٤٥.
(٣) طبقات الأمم: ٧٣.

<<  <   >  >>