للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تلقى منه، فيما يقال، ألف دينار ذهبا عينا ليرسل إليه نسخة من كتابه الذي ألفه في الأغاني، فأرسل أبو الفرج من كتابه هذا إلى الأندلس نسخة منقحة، قبل أن يظهر الكتاب لأهل العراق أو ينسه أحد منهم، وألف له أيضاً أنساب قومه بني أمية موشحة بمناقبهم وأسماء رجالهم، وأنفذ معه قصيدة يمدحه بها ويذكر مجد قومه بني أمية وفخرهم علة سائر قريش فحدد له عليه الصلة الجزيلة (١) .

أما في جمع الكتب من الأمصار فكان شأنه في ذلك عجيبا، إذ اتخذ له وراقين بأقطار البلاد ينتخبون له غرائب التواليف، ووجه رجالا إلى الآفاق بحثا عن الكتب، وكان من وراقيه ببغداد محمد بن طرخان، وكان يدفع فيها أثماناً عالية، فحملت إليه من كل جهة حتى غصت بها بيوته وضاقت عنها خزائنه وحتى جمع ما لم يجمعه أحد قبله، وكاد يضاهي ما جمعته ملوك بني العباس في الأزمان الطويلة وكان عدد فهارس مكتبته أربعا وأربعين فهرسة في كل واحد خمسون ورقة (٢) وربما بلغ عدد الكتب أربعمائة ألف مجلد. ولم يكن يفضل علما على آخر، ولذلك امتلأت خزائنه بكتب الحكمة والفلسفة والمنطق والطب، وأقبل الناس على قراءة علوم الأوائل (٣) ، وكانوا من قبل ينفرون منها، وأصاب العمل في هذه الناحية العلمية شيء من التنظيم منذ أن وصلت الأندلس هدية رومانوس إمبراطور البيزنطيين (٣٣٧) وفيها كتاب ديسقوريدس في النبات مصورا، مكتوبا بالإغريقية، ولم يكن يومئذ بقرطبة من نصارى الأندلس من يقرأ هذه اللغة، فسأل الناصر؟ وهو الخليفة يومئذ - إمبراطور القسطنطينية ان يبعث إليه برجل يتكلم الإغريقية واللاتينية ليعلم له عبيدا يكونون مترجمين فبعث براهب يدعى


(١) الحلة السيراء: الورقة: ٤٨.
(٢) هذا هو ما جاء في الحلة: ٥٩ وكذلك جمهرة الأنساب: ٩٢ والرقم يختلف في مصادر أخرى، انظر المغرب ١: ١٨١.
(٣) طبقات صاعد: ٧٥.

<<  <   >  >>