للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى اظهر الشيخ التحرك، وأومأ إلى القيام، وتداعى أهل المجلس إلى النهوض، فكرهت أنا أن أقوم حتى اعرف آخرا من الرجل الداخل علينا، فثبت. فلما خف المجلس، تحول إليه احمد بن نصر فقال له: يا شاب، جلست منذ اليوم فهل من حاجة تذكرها؟ فاندفع محمد بن مسرة بكلام مصنوع إلا انه من الكلام جيد فقال: أتيتك مقتبسا من نورك، ومستمدا بعلمك؟ إلى ما يشبه هذا من القول، واتى به شبيها بخطبة موجزة، ولا عهد لأحمد بن نصر بمن يخاطبه بهذا الضرب من الخطاب، فجعل الشيخ ينظر إليه ويفهم عنه حتى أتى ابن مسرة على ما أحب ان يتكلم به ثم سكت. فكان جواب احمد بن نصر له في ذلك كله أن قال له: يا شاب هذه الصفة هي في القبور رحم الله من كانت هذه صفته. فوضع ابن مسرة يديه في الأرض ثم قام وقمنا في إثره " (١) . وذهب بعد ذلك إلى الحجاز فحج غير مرة وزار قبر النبي عليه السلام بالمدينة، وأقام فيها مدة يتتبع آثار الرسول فدله بعض أهل المدينة على دار مارية أم إبراهيم فقصد إليها، فإذا دويرة لطيفة بين البساتين بشرقي المدينة عرضها وطولها واحد، قد شق في وسطها بحائط، وفرش على حائطها خشب غليظ يرتقي إلى ذلك الفرش على خارج لطيف، وفي أعلى ذلك بيتان وسقيفة كانت مقعد النبي (ص) في الصيف، فصلى ابن مسرة في البيتين والسقيفة ثم قاس بشبره تلك الدار، وبنى مثلها لسكناه، لما عاد إلى الجبل بقرطبة (٢) .

وكان يصحبه في رحلته هذه إلى الحج اثنان من معتقدي مذهبه وهما محمد بن حزم بن بكر التنوخي من أهل طليطلة ويعرف بابن المديني (٣)


(١) علماء إفريقية: ٢١١ - ٢١٢.
(٢) التكملة: ٣٦٥.
(٣) التكملة: ٣٦٥.

<<  <   >  >>