للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهدمت داره وقتل، ومن شعره وكتب به من محبسه إلى جاريته عاج (١) :

وأني عداني أن أزورك مطبق ... وباب منيع بالحديد مضبب

فان تعجبي يا عاج مما أصابني ... ففي ريب هذا الدهر ما يتعجب

وفي النفس أشياء أبيت بغمها ... كأني على جمر الغضا أتقلب

تركت رشاد الأمر إذ كنت قادرا ... عليه فلاقيت الذي كنت أرهب

وكم قائل قال انج ويحك سالما ... ففي الأرض عنهم مستراد ومذهب

فقلت له: إن الفرار مذلة ... ونفسي على الأسواء أحلى وأطيب

سأرضى بحكم الله فيما ينوبني ... وما من قضاء الله للمرء مهرب

فمن يك مسرورا بحالي فانه ... سينهل في كأسي وشيكا ويشرب وحبس يحيى الغزال بعد ان ولاه الأمير عبد الرحمن قبض الأعشار، فلم يتصرف في ذلك تصرفا مرضيا، كما سنوضح في ترجمة الغزال (٢) . وسجن مروان بن عبد الرحمن الملقب بالطليق، قيل لأنه كان يهوى جارية رباها أبوه معه، ثم استأثر الأب بها فاشتدت غيرته، فقتل أباه، وكان عمره ست عشرة سنة، وطال سجنه إذ مكث في السجن ست عشرة سنة أخرى، وكان أديبا شاعرا مكثرا (٣) ومن شعره في معتقله:

ألا إن دهرا هادما كل ما نبني ... سيبلى كما يبلي ويفنى كما يفني

وما الفوز في الدنيا هو الفوز إنما ... يفوز الفتى بالربح فيها مع الغبن

يجازى ببؤس عن نعيمها ... ويجني الردى مما غدت كفه تجني

ولا شك ان الحزن يجري لغاية ... ولكن نفس المرء سيئة الظن وله أيضاً يصف السجن:

في منزل كاليل أسود فاحم ... داجي النواحي مظلم الأشباج

يسود والزهراء تشرق حوله ... كالحبر أودع في ذوات العاج


(١) الحلة: ٤٠.
(٢) انظر أيضاً المطرب: ١٢٨.
(٣) انظر الجذوة: ٣٢١، والحلة: ١١١ وما بعدها.

<<  <   >  >>