للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وسجن احمد بن محمد بن فرج الجياني صاحب كتاب الحدائق لكلمة عامية نطق بها نقلت عنه وأقام في السجن بجيان أعواما سبعة أو أزيد منها وكانت له أشعار ورسائل في محبسه إلى الحكم إلا أنها لم تكن تصل إليه فلما توفي الحكم أطلق من سجنه، وكان أهل الطلب يدخلون إليه في السجن ويقرأون عليه اللغة وغيرها، ولم تصلنا أشعاره ورسائله أو شيء منها (١) . ودخل السجن أيضاً الشاعر يوسف بن هارون الرمادي، وقد لقي هذا المصير لأنه كان ينتقد السلطان، وعمل وهو محبوس كتابا سماه " كتاب الطير " من شعره مستشفعا (٢) - وسنوفي القول عند الترجمة له - ويكفي أن أقول هنا، أن السجن قد صبغ شعره بصبغة الحزن، بعد أن كان التفاؤل في نظرته إلى الحياة أغلب على شعره، وجعله يحس بأنه شخص ضائع، وانه قد لا يتاح له أن يحس بطعم الحرية أبدا. على أن أشد الناس خورا عندما سجن، الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، الذي أذله ابن أبي عامر، ورماه بالمطبق لمنافسة بينهما، وأحداثه مشهورة مشروحة في كتب التاريخ (٣) وقد استشفع كثيرا فلم ينل شفاعة، من قوله يخاطب المنصور ابن أبي عامر:

عفا الله عنك ألا رحمة ... تجود بعفوك إن أبعدا

لئن جل ذنب ولم أعتمده ... فأنت أجل وأعلى يدا

ألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى

أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الردى وله أشعار كثيرة تتقلب به بين اليأس والأمل ومن قوله في ذلك:

صبرت على الأيام لما تولت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرت

فيا عجبا للقلب كيف اصطباره ... وللنفس بعد العز كيف استذلت


(١) الصلة: ١١.
(٢) الجذوة: ٣٤٦، والمطمح: ٦٩.
(٣) انظر ابن عذاري ٢: ٣٩٩ وما بعدها، والحلة: ١٢٣.

<<  <   >  >>