في حياة الشعر الأندلسي، فإلى جانب الحزن العميق، والتشوق إلى الانطلاق، والبكاء على الحياة، نجد تعميق المشاعر بالحياة، وقيمتها مع شيء من نغمة زهدية، وفلسفة مستمدة من القلق والحيرة، وأثارة من الحكمة التعليمية كالذي نراه في قصيدة الجزيري، وقد نجد ان الصبر أقوى من الثورة في هذا الشعر، وان الاستشفاع المتذلل أشيع من العزيمة العزيزة، وان الجزع من الموت أقوى من القدرة على استقباله، وكل هذا يشير إلى صورة حزينة، قلقة باكية، تجعلها نحس بقيمة المظهر الثالث على وجه أوضح وأظهر:
٣ - الارتياح إلى الطبيعة
الارتياح إلى الطبيعة، من الموضوعات الكبرى التي سيطرت على الشعر في هذه الفترة، ومن الخطأ ان ننظر فحسب في هذا الموضوع إلى شعر المشهورين فيه كابن خفاجة من بعد، فان شيوعه في الفترة الأموية، يكاد يجعله اقرب أنواع الشعر إلى نفوس الأندلسيين، ومعرضه كتاب " الحدائق " لابن فرج، وكتاب البديع في فصل الربيع لحبيب، والارتياح بوصف الراح لابن مسلمة، وكلها كتب لم تصلنا؟ ما عدا كتاب البديع - وإنما تأدى إلينا بعض ما فيها، في مقتطفات، ويلحق بها كتاب الفرائد في التشبيهات لعلي بن الحسين القرطبي فانه أيضاً حافل بصور الطبيعة في الشعر الأندلسي، وربما كان وصف الخمر والغناء أقل نزلة في هذا الشعر من وصف الطبيعة وبخاصة وصف الربيع عامة، والغيم والمطر والبرد والخمائل، والنواعير، والأزهار جملة وتفصيلا؛ ومما اكثروا من وصفه أزهار الرد والبهار والياسمين والنيلوفر. واذا ميزنا هذا النوع من الشعر بالكثرة فليس معنى هذا أننا نميزه بالجودة، فان الغرام فيه " بالصورة " قد صرف الأندلسيين عن حب الموضوع نفسه، أما الصورة فيه فأنها شبيهة بأختها المشرقية في نواحي جمودها، وحديثها عن الزهو الحي