للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ابن المعتز

أما ابن المعتز فان صوره المستمدة من الجواهر والأحجار الكريمة قد تغلغلت أكثر شيء في شعر الطبيعة الأندلسية، ونكتفي منها؟ وهي كثيرة - بهذا المثل الذي لحظه الثعالبي: وهو قول سعيد بن محمد بن العاص المرواني (١) :

والبدر في جو السماء قد انطوى ... طرفاه حتى عاد مثل الزورق

فتراه من تحت المحاق كأنه ... غرق الكثير وبعضه لم يغرق وانه مأخوذ من قول ابن المعتز:

انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وصورة الشاعر الأندلسي فيها زيادة لطيفة، وهي أدق وأجمل موقعا من صورة ابن المعتز.

وأضعف الشعراء تأثيرا في البيئة الأندلسية هو المتنبي، لشموخه في الطريقة الشعرية وفي حكمته الفلسفية، ولذلك قلما نجد محاولات واضحة للحاق بها مثل بعض معارضات ابن دراج القسطلي له في قصيدته الرائية (٢) :

لبيك أسمعنا نداك ودوننا ... نوء الكواكب مخويا أو ممطرا وفيها نسج على منوال قصيدة أبي الطيب في مدح ابن العميد:

باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى فإذا تذكرنا أن هؤلاء ليسوا كل المحدثين وان أشعارا كثيرة أخرى دخلت الأندلس وتأثر بها الأندلسيون فحاكوها أو تغنوا بها ملحنة أدركنا أن تأثير الشعر المحدث في الشعر الأندلسي لم يكن مظهرا عابرا أو قليلا، ولكن هذا التأثير لم يكن خيرا كله، فان ربقة التقليد خانقة تحول القابليات عن طريق الابتكار، ولو أن الأندلسيين نظروا من خلال


(١) يتيمة الدهر ١: ٣٩٨.
(٢) الذخيرة ١: ١/٥٦.

<<  <   >  >>