للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كلام العرب والعجم، فيلقن من الفصول ما يختار.

وبعثه نور الدين محمود بن زنكي رسولاً إلى بغداد سنة أربع وستين وخمسمائة وخلع عليه هناك أهبة سوداء، فكانت عنده يلبسها في الأعياد، وسمع هناك الحديث من سعد الخير بن محمد الأنصاري كثيراً، وصاهره على ابنته فاطمة، ونقلها معه إلى مصر، وانتقلت كتب سعد الخير إليه؛ ومن عبد الصبور بن عبد السلام الهروي وعبد الخالق بن يوسف وغيرهم. واجتمع هناك بالشيخ عبد القادر وغيره من الأكابر، ووعظ بجامع المنصور. وسمعته يقول: أول مجلس جلسته في بغداد في جامع المنصور، فنزلت سحراً إلى الجامع متنكراً، حتى أرى هيئة المجلس وأسمع ما يقال، وإذا رجل أعمى قد جلس على درج المنبر، فذكر من الفصول من كلام التميمي وابن عقيل وغيرهما جميع ما قد حررته للمجلس، وتعبت عليه، قال: فأصابني هم، وما بقي لي زمن أحفظ غير ذلك، فاستخرت الله تعالى، ثم جلست وتكلمت، وذكرت حكاية طاب بها المجلس.

وسمعته يقول: أول ما دخلت بغداد جاءني الشيخ أبو الفضل ابن شافع وتعصب لي، فدخل عليّ الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي مهنئاً بالسلامة، وتحدثنا، قال لي: تحفظ شيئاً من شعر ابن الكيزاني؟ فأنشدته له:

رأتني خاضباً شيبي ... فسمتني أبا العيب فظهر الغيظ في وجهه، ثم قام فذهب. فقال ابن شافع: أيش عملت؟ هذا أول من جاءك من الحنابلة لقيته بما يكره، فقلت: كيف؟ قال: هو يخضب، قلت: والله ما علمت، ولا حضرني من شعر ابن الكيزاني إلا هذا.

ثم عاد ابن نجية وانتقل إلى مصر من قبل دولة صلاح الدين، وأقام بها إلى أن مات (١) . وكان يعظ بها بجامع القرافة مدة طويلة، وله فبها وجاهة عظيمة عند الملوك، وكان ذا رأي صائب، وكان صلاح الدين يعني ابن يوسف بن أيوب


(١) قال ناصح الدين الحنبلي: مات بعد الستمائة وهو وهم، فإنه كان يكتب هذه التواريخ من حفظه وقد بعد عهده بها، والصحيح أنه توفي سنة ٥٩٩ (ذيل طبقات الحنابلة ١: ٤٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>