ولدي بلغ من العمر تسع عشرة سنة، ولم يجر عليه فيها قلم إلا بعد خمس عشرة سنة، بقي له ثلاث سنين، نصفها نوم، بقي عليه سنة ونصف، وقد أساء فيها إلي وإليك، فأما جنايته عليّ فقد وهبتها له، بقي الذي لك فهبه لي، فصاح الناس بالبكاء، ونزل فصلى عليه.
وكان زيد الدين كريماً، وله سماط يؤكل عنده، وتوسعة في النفقة. وضاق صدره في آخر عمره من دين عليه، فلما عرف الملك العزيز عثمان أعطاه ما يزيد على أربعة آلاف دينار مصرية.
وقال لي: ما احتجت في عمري إلا مرتين، وقال لي: والدي زين الدين سعد بدعاء والدته، كانت صالحة حافظة، تعرف التفسير. قال زين الدين: كنا نسمع من خالي التفسير، ثم أجيء إليها، فتقول: أيش فسر أخي اليوم؟ فأقول: سورة كذا وكذا، فتقول: ذكر قول فلان، وذكر الشيء الفلاني؟ فأقول: لا، فتقول: ترك هذا، وسمعت والدي يقول: كانت تحفظ كتاب " الجواهر " وهو ثلاثون مجلدة، تأليف والدها الشيخ أبي الفرج، وأقعدت أربعين سنة في محرابها.
ودفن بتربة سارية، بجوار عز الدين ابن خاله، عن وصية منه. وكان يوم دفنه مشهوداً لكثرة الخلق. وقد سمعت منه كثيراً.
٣٦ - (١)
عمرو بن رافع بن علوان الزرعي: قدم إلى زرع في عشر الستين يعني والخمسمائة وهو ابن نيف وعشرين سنة، ونزل عندنا في المدرسة هو ورفقة له، واشتغلوا على والدي، فحفظوا القرآن وسمعوا درسه، وحفظوا كتاب " الإيضاح " يعني للشيخ أبي الفرج جدهم وكان هذا الفقيه عمرو يحفظ كثيراً وسريعاً، تلقن سورة البقرة في درسين أو ثلاثة، وعمل الفرائض، فأسرع في معرفتها.
ورحل إلى حران، وأقام بها مدة مديدة يشتغل، ثم رجع إلى دمشق، ثم إلى