فارس بن نصر العراقي قال: كنت يوماً في دار تكين بمصر، والأتراك والقواد ووجوه الدولة ينتظرون الإذن على تكين، حتى دخل جاجبه عمران بن فارس ومر على الجماعة فسلم عليهم ودخل للإذن لهم على تكين، فقال الجماعة: أي كبش ما أسمنه: يعنون عمران بن فارس ليت شعري من يجزره، فقال محمد بن طغج: أنا أجزره، فكان كذلك. فلما حصلت مصر للإخشيد كان عمران بن فارس بالشام فاستدعاه فاستحجبه، ثم نكبه وأخذ له مالاً كثيراً ورجالاً وعبيداً وخيلاً.
وكان الإخشيد في أيام تكين يعاشر أولاد أبي بكر محمد بن عليّ الماذرائي ويرى نعمهم وذخائرهم، فلما ملك مصر نكبهم وطلبهم بذلك كله، حتى أنه طلب فراشاً أحمر مثقلاً فدفع إليه ناقصاً، فطلب النقصان فقيل له سرق وبيع لمن حمله إلى الأندلس، فأرسل إلى الأندلس حتى اشتري له. ثم ولى تكين الإخشيد الحوفين (١) وأعمالهما، وكان يخرج إلى عمله في وقت.
ولما دخل مؤنس الخادم خدمه الإخشيد ووقف بين يديه. وكان الإخشيد لبغضه الماذرائيين قد تخصص بمحمد بن جعفر القرطي. وكان محمد بن جعفر تاجراً في الساحل، فخدم في دار مؤنس عند قدومه، فقلده الحسبة بمصر ثم قلده الخراج، ثم رد المقتدر العمل إلى الماذرائيين، واستتر محمد بن جعفر عند الإخشيد، وما زال يعمل الحيلة في أمره حتى أخرجه إلى العراق. وفي هذه السفرة عني ابن القرطي للإخشيد بتقليد دمشق، وسفر في ذلك أيضاً صالح ابن نافع، وكتب إلى الإخشيد يعرفه بتقليد دمشق، وكان يلي الحوفين من قبل تكين. ولما أراد الإخشيد الهرب من مصر إلى دمشق قال لمحمد بن تكين: إن الصيد عندي بالحوف كثير فأستأذن الأمير في أن أخرج أنا وأنت، فأستأذن محمد أباه فأذن له، فلما تأهب للخروج قال له الإخشيد: كتب إلي بدر من الحوفين أن جماعة قد ظهروا في صحراء الحوف يقطعون الطريق، فاخرج إليهم واكسيهم ويخلو لنا الحوف، فقال: أفعل.