للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقاتل، فقال: لا تفعل، فقال: ركوبي في الطيار في دجلة وصياح الملاحين أحب إلي من ملك الشام كله. فاستخلف على أعماله ابنه الحسن بن محمد بن رائق وسار، وخرج ولد المتقي لتلقيه، وأرسل إليه أن يعبر له وهو عند بني حمدان، فأشير عليه ألا يفعل، فأبى وقال: لو وقع سوطي ما نظروا إليه. فعبر إلى ابن المتقي وابني حمدان ناصر الدولة وسيف الدولة، فقتلوه وأحدروا ابن المتقي إلى أبيه، واحتزوا رأس محمد بن رائق ورموا جثته في الفرات. ووافى الرسول إلى الإخشيد يبشره بذلك، فأنفذ العساكر إلى الشام عليها كاتبه عليّ بن محمد بن كلا.

ولست خلون من شوال سنة ثلاثين سار الإخشيد إلى الشام في عساكره، واستخلف أخاه أبا المظفر ابن طغج. وكان الإخشيد لما قوي أمره ومات الفضل ابن جعفر بالرملة وقتل محمد بن رائق، وتفرغ قلبه، أحب أن يسلك طريقة أحمد ابن طولون وابنه أبي الجيش، فتقدم بأشياء: منها ألا يركب أحد بحلية دقيقة سواه، ولا يلبس أحد خفتان ديباج فضياً محفوراً سواه، ولا يركب أحد برذوناً محفف العرف سواه، ولا يكون في عسكره شيخ، وأن يصبغ الشيوخ لحاهم، فقيل له: يحتاج الصباغ إلى مؤونة، فزاد كل أحد في رزقه من خمسة دنانير وما زاد.

ومن حكايات الإخشيد في أول أمره قال: كنت مع أبي منصور تكين بدمشق، وكان الحاج لهم طريق من دمشق أنا عورتها خوفاً أن يأتيني أحد منها بمكيدة، فجهز تكين حاج دمشق وأخرجني على القافلة، وحج في تلك السنة أبو صالح مفلح المقتدري فخدمته، وأكرمته، ووقفت بالناس في عرفات، فلما غربت الشمس دفعنا إلى المزدلفة، فرأيت قبة محمد بن عليّ الماذرائي أعلى قبة، فتقدمت أنا وغلماني وضربنا وجه ناقة محمد بن علي، وقدمت قبة مفلح، فصاح محمد بن عليّ من قبته: من هذا؟ فقالوا: محمد بن طغج، فصاح: يا عاض ابن العاض، فضحكت، فلما وصلنا إلى المزدلفة شكر مفلح فعلي، وأرسل إلي منديلاً مختوماً فيه عشرة دنانير وزنها ألف دينار، وقال يسرني بقبولها فهي مما زودني مولاي أمير المؤمنين، فأخذته، وخدمته بمنى ومكة إلى أن سار إلى العراق، فكان ذلك في نفس محمد بن عليّ يحقده.

<<  <  ج: ص:  >  >>