وأمر الإخشيد في وقت من الأوقات بهدم المواخير ودور المقامرين والقبض عليهم، وأدخل عليه جماعة من المقامرين وعرضوا عليه، وفيهم شيخ له هيئة، فقال: هذا الشيخ مقامر؟ فقالوا: هذا يقال له المطمع، فقال الإخشيد: وأيش المطمع؟ فقالوا: هو سبب عمارة دار القمار، وذلك أن الواحد إذا قمر ما معه قال له: فالعب على ردائك فلعلك تغلب، فإذا ذهب رداؤه قال له: العب على قميصك حتى تغلب به، كل شيء حتى يبلغ نعليه، وربما اقترض له. ولهذا الشيخ جراية يأخذها على هذا كل يوم من متقبل دار القمار، فضحك الإخشيد وقال: يا شيخ تب إلى الله وحده من هذا، فتاب، وأمر له الإخشيد بثوب ورداء وألف درهم وقال: يجرى عليه في كل شهر عشرة دنانير، فانصرف الشيخ شاكراً داعياً، فقال: ردوه وقال: خذوا ما أعطيناه وابطحوه، فضربه ستمائة عصا، ثم قال: خلوه، أين هذا من تطميعك؟!.
وكلن بمصر رجل يعرف بأبي القاسم عمرو بن نافع، وكان به وضح وكان معدلاً عند الشهود، وكان له ولد يكنى أبا جعفر يتفقه للشافعي حافظاً للمذهب، وكان قد خرج إلى العراق فأقام سنين، ثم إنه عاد إلى الشام، فحدثني عليّ ابن محمد الصوري الفقيه قال، قال لي أبو جعفر ابن عمرو بن نافع: قصدت أبا عليّ وتقربت بجوارنا منه، فأدخلني إلى الإخشيد بدمشق وعرفه بي ووصفني له، فقال لي الإخشيد: أبوك الأبرص؟ قلت: نعم. فقال: لمن تتفقه؟ قلت: للشافعي، فقال أيش معنى قول المزني: اختصرت هذا من قول الشافعي ومن معنى قوله؟ قال أبو جعفر: وكانت هذه صنعتي، فقلت: المعنى كذا وكذا، وصرت في الكلام فولاني مظالم السواحل.
وكان الإخشيد على تشبه بأحمد بن طولون في أحواله: كان ابن طولون إذا راح إلى الجامع العتيق يوم الجمعة يبعد الناس عن المقصورة، فعمل الإخشيد كذلك. وكان أكثر صلاته في جامع أحمد بن طولون إلا في رجب وشعبان وشهر رمضان.