وحدثني محسن قال، سمعت كافوراً يقول: ركب الإخشيد ثم قال لي: ارجع فقل لهم يصلحون المائدة، ويكون أول ما يقدمونه حماضية، قال كافور: فجئت إلى صاحب المائدة فقلت له: أول ما تقدم حماضية، فقال: والله ما أصلحت حماضية، فقلت: إنا لله عز وجل، فقال: كم عليك وأصلح لك الساعة حماضية؟ قال [قلت] : مائة دينار. قال: فاجمع لي كل أترج عندك، فجمعناه واستخرج الحماض فألقاه في الحصرمية، وطرح فيها ماء الورد والمسك والأفاوية، فلما جاء الإخشيد قدمتها إليه، فأكل منها وأكثر وقال: طيبة والله، فقلت: هي والله تقوم عليّ مائة دينار فقال: كيف؟ فحدثته فقال: إيتوني بالطباخ، فقال: تأخذ من غلامي مائة دينار، ردها فردها، فأعطاها غلاماً وقال له: ادفعها إلى الطرائفي الذي يطالبنا، قال: فقلت للإخشيد: فأنت أخذت المائة.
وحدثني يحيى بن مكي بن رجاء المعدل قال: كنت أنا وأبو الحسين ابن إسحاق مع القاضي الحسن بن أبي زرعة، وكان معنا جماعة من الشهود إلى الإخشيد، وحضر صدقة بن الحسن متولي دار الضرب، ومعه دنانير وسبيكة، وأحضر السباكين ليقوموا عيار الدنانير بحضرة الإخشيد، وأوقدوا النار، وجاء صدقة بخمسين ديناراً لتسبك بحضرته، فقال له الإخشيد: كم معك؟ فقال: خمسون ديناراً، فقال: هاتها وأخرج منها عشرة دنانير فقال: اسبكوا، فسبكت وأعتدل العيار. فقال: يكون العيار على هذا، ورد العيار إلى عليّ بن إسحاق المعدل، وسلم إليه السكك وانصرف. قال ابن رجاء: فاجتمعت مع صدقة بعد أيام فقلت: أربعون التي عدلها ولم يسبكها ردها إليك؟ قال: أيش يرد؟ أخذها وانصرفت وغرمتها لأصحابها.
وكان يصون مجلسه أن يجري فيه لغط أو قبيح. ولقد تنازع أبو بكر ابن الحداد الفقيه وأبو الذكر محمد القاضي المالكي وعبد الله بن الوليد، وجرى بينهم لغط كثير. فلما انصرفوا قال: يجري هذا في مجلسي؟! كدت والله أن آمر بأخذ عمائمهم.
وكان يكره سفك الدماء، ولقد شرع في الخروج إلى الشام في آخر سفراته