وسار العسكر، وكان نازلاً في بستانه في موضع القاهرة اليوم، فركب للمسير، فساعة خرج من باب البستان اعترضه شيخ يعرف بمسعود الصابوني يتظلم إليه، فنظر له فتطير به وقال: خذوه ابطحوه، فبطح فضرب خمس عشرة مقرعة وهو ساكت. فقال الإخشيد: هو ذا يتشاطر، فقال له كافور: قد مات، فانزعج، واستثقل سفره، وعاد إلى بستانه، وأحضر أهله واستحلهم وأطلق لهم ثلاثمائة دينار، وحمل الرجل إلى منزله ميتاً، وكانت له جنازة عظيمة.
وكان قد سار إليه سبعة أمراء لأخذ أعماله، فأما أولهم فرجل يعرف بالعدل، وبلغ إلى دمشق فراسله وأرضاه فصار في جملته، والثاني بدر الخرشني راسله وولاه دمشق فصار في جملته، والثالث الحسين بن أبي العلاء بن حمدان فبلغ إلى حمص ومد يده إلى أموال الإخشيد وأخيه عبيد الله فراسله الإخشيد وأرضاه وانصرف عنه، والرابع تكين الخادم فراسله وقلده فصار في جملته، والخامس ابن رائق وقد شرحنا قصته، والسادس عي بن حمدان سيف الدولة، ونحن نذكر قصته فيما بعد إن شاء الله، والسابع يانس المؤنسي راسله وأرضاه.
وحدثني بعض الإخشيدية قال: لما زاد أمر محمد بن رائق على الإخشيد وطلب منه الأموال وإلا قاتله، اشتغل قلبه وقال: ابني يطلب مني مالاً حتى يكف شره عني؟! وامتنع من الطعام يومين، فدخل عليه محمد بن الخازن فقال له: من أين؟ قال: جئت من عند أبي سهل ابن يونس الرجل الصالح، فسألته الدعاء لمولاي الإخشيد، وشكوت إليه غمي وغم أهل الدولة بشغل قلبه، وأنه قد امتنع من الطعام لما التمسه منه محمد بن رائق فقال (١) : ومن الإخشيد حتى لا تبذل في صيانته الأموال؟! أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعطي المؤلفة قلوبهم ويجعل لهم سهماً في الصدقات حتى يكفوا أذاهم، فما له برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟! فقال: كيف؟ فأعدت عليه الكلام فقال: هاتوا المائدة، وأرسلوا خلف محمد بن الحسين ابن طاهر يخرج إلى ابن رائق ويرضيه.