وحدثني عبد الوهاب بن سعيد الكاتب قال: حدثني أبو الحسين ابن العجمي قال: كنت ببغداد أخلف الإخشيد وأنوب عنه، وكان ابن مقلة الوزير مصروفاً، فأرسل إلي فجئته، فقال لي: يا أبا الحسين أنا في فاقة فأحب أن تكتب إلى صاحبك يرسل إلي بنفقة، فقلت له: عندي هاهنا ألف دينار أحملها الساعة، فقال: أحسن الله جزاءك. ترسلها إلى الباب الآخر تسلم إلى فلانة الخازنه، فحملتها، وكتبت إلى الإخشيد أعرفه، فأنفذ إلي سفاتج بثلاثين ألف دينار، فأخبرته فشكر وصححتها له واستأذنته في حملها فقال: أخرج منها ألفين وأحمل الباقي. وكتب إلى الإخشيد كتاباً يشكره يقول في أوله: كتابي إلى الإخشيد، أطال الله بقاءه، وساق سائر الكتاب بالشكر والثناء والدعاء بالمكافأة، فحسن موقع ذلك من الإخشيد.
وكان الإخشيد ذا سياسة ومدافعة، ولقد انهدمت قطعة من كنيسة أبي شنودة في سنة ست وعشرين، فبذل له النصارى مالاً ليطلق عمارتها، فقال: خذوا فتيا الفقهاء. فأما ابن الحداد فأفتى بألا تعمر، وبذلك أفتى أصحاب مالك، وأفتى محمد بن عليّ بأن لهم أن يرموها ويعمروها، واشتهر ذلك عنه فحملت الرعية إلى داره النار وأرادوا قتله، فاستتر وندم على فتياه، وشغبت الرعية وأغلقت الدروب وأحاطت بالكنيسة، فبلغ الإخشيد ذلك فاغتاظ، وأرسل بوجوه غلمانه كافور ومنجح وشادن في عسكر كبير وقال لهم، لا تجاوزوا مسجد عبد الله، فبلغوا مسجد عبد الله، وزحفت إليهم الرعية ورموهم بالحجارة، فأرسلوا يخبرون الإخشيد فأرسل إليهم ارجعوا. ثم دعا بأبي بكر ابن الحداد الفقيه وقال له: اركب إلى الكنيسة فإن كانت تبقى فاتركها على حالها، وإن كانت مخوفة فاهدمها إلى لعنة الله. فسمعت أبا بكر ابن الحداد يقول: أخذت معي عليّ بن عبد الله البواش المهندس وركبت إلى الكنيسة فما تركت من كل درب، فلم أزل أرفق وأعلمهم أني معهم، ففتحوا إلي فجئت إلى الكنيسة وأمرت بإخراج جميع من فيها من النصارى، ودخلت ومعي ابن البواش وأغلقت عليّ وعليه وجئت به إلى المذبح فقلت له: هذا الموضع الذي قال الله تعالى فيه {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولدا} فخذ بيدك شمعة وأدخل